فصلت آية (١١ ١٢) ﴿فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾ متعلقٌ بحصول الأمورِ المذكورةِ لا بتقديرها أي قدرَ حصولَها في يومينِ وإنما قيلَ فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أي تتمةِ أربعةٍ تصريحاً بالفذلكةِ ﴿سَوَآء﴾ مصدرٌ مؤكدٌ لمضمرٍ هو صفى لأيامٍ أي استوتْ سواءً أيَّ استواءً كما ينبىءُ عنْهُ القراءةُ بالجرِّ وقيلَ هُو حالٌ من الضمير في أقواتها أو في فيَها وقُرِىءَ بالرفع أي هى سواء ﴿للسائلين﴾ منتعلق بمحذوف تقديرُه هذا الحصرُ للسائيلن عن مدةِ خلقِ الأرضِ وما فيها أو بقدَّرَ أي قدَّرَ فيها أقواتَها لأجل السائلينَ أي الطالبين لها المحتاجين إليها من المقتاتين وقوله تعالى
﴿ثُمَّ استوى إِلَى السماء﴾ شروعٌ في بيانِ كيفيةِ التكوين إثر بيان كفية التقدير ولعل تحصيص البيانِ بما يتعلقُ بالأرض وأهلِها لما أن بيان اعتنائِه تعالى بأمر المخاطبين وترتيبِ مبادِي معايشِهم قبلَ خلقِهم مما يحملُهم على الإيمان ويزجرهم عن الكفر والظغيان أي ثم قصدَ نحوهَا قصداً سوياً لا يلوِي على غيرِه ﴿وَهِىَ دُخَانٌ﴾ أي أمرٌ ظلمانيٌّ عبرَ به عن مادتها أو عن الأجزاء المتصغرةِ التي ركبتْ هي منها أو دخانٌ مرتفعٌ من الماءِ كما سيأتي وإنما خصَّ الاستواءَ بالسماءِ مع أن الخطابَ المترتبَ عليه متوجهٌ إليهما معاً حسبما ينطِق به قولُه تعالى ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلاْرْضِ﴾ اكتفاءً بذكر تقديرها وتقدير ما فيها كأنه قيل فقال لها وللأرض التي قدر ووجودها وودود ما فيها ﴿ائتيا﴾ أي كُونا واحدُثا على وجه معينٍ وفي وقت مقدرٍ لكل منكُما وهو عبارةٌ عن تعلق إرادته تعلى بوجودهما تعلقاً فعلياً بطريق التمثيلِ بعد تقديرِ أمرِهما من غير أن يكون هناك أمرٌ ومأمورٌ كما في قوله تعالى كُنْ وقولُه تعالى ﴿طَوْعاً أَوْ كَرْهاً﴾ تمثيلٌ لتحتم تأثيرِ قدرته تعلى فيهما واستحالةِ امتناعِهما من ذلكَ لا إثباتُ الطوعِ والكرهِ لهما وهما مصدرانِ وقعا موقعَ الحالِ أي طائعتينِ أو كارهتينِ وقولُه تعلى ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ أي منقادينِ تمثيلٌ لكمال تأثرهما بالذات عن القدرة الربانة وحصولِهما كما أُمرتا بهِ وتصوير لكون وجوهما كما هما عليه جارياً على مُقتضى الحكمةِ البالغةِ فإن الطوعَ منبىءٌ عن ذلكَ والكُرهَ موهمٌ لخلافهِ وإنما قيلَ طائعينَ باعتبارِ كونِهما في معرض الخطابِ والجوابِ كقوله تعالى ساجدين وقوله تعلى
﴿فقضاهن سبع سماوات﴾ تفسيرٌ وتفصيلٌ لتكوين السماءِ المجملِ المعبرِ عنه بالأمر وجوابِه لا أنه فعلٌ مترتب على تكونيها أي خلقهنَّ خلقاً إبداعياً وأتقنَ أمرَهنَّ حسبما تقتضيهِ الحكمة والضميرُ إما للسماء على المَعْنى أو مبهمٌ وسبعَ سمواتٍ حالٌ على الأول تميز على الثانِي ﴿فِى يَوْمَيْنِ﴾ في وقتٍ مقدرٍ بيومينِ وقد بينَ مقدارُ زمانِ خلقِ الأرضِ وخلقِ ما فيها عند بيانِ تقديرهما فكانَ خلقُ الكلِّ في ستة أيامٍ حسبما نصَّ عليهِ في مواقعَ من التنزيلِ ﴿وأوحى فِى كُلّ سَمَاء أَمْرَهَا﴾ عطفٌ على قضاهُنَّ أي خلقَ في كلَ منَها ما في الملائكة


الصفحة التالية
Icon