الدخان آية (١٥ ١٩) ﴿وَقَالُواْ﴾ في حقِّهِ ﴿مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ﴾ أي قالوا تارة يعلمُه غلامٌ أعجميٌّ لبعض ثقيفٍ وأُخرى مجنونٌ أو يقولُ بعضهم كذَا وآخرونَ كَذا فَهلْ يتوقعُ من قوم هذه صفاتُهم أنْ يتأثرُوا بالعظة والتذكير وما مثلُهم إلا كمثلِ الكلبِ إذَا جاعَ ضَغَا وإذا شبع طغا وقوله تعالى
﴿إنا كاشفو العذاب قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ﴾ جوابٌ من جهتهِ تعالى عن قولِهم رَّبنا اكشفْ عنا العذاب إنا مؤمنون بطريق الالتفات لمزيد التوبيخ والتهديد وما بينهما اعتراضٌ أيْ إنا نكشفُ العذابَ المعهود عنكم كشفنا قليلاً أو زماناً قليلاً إنكم تعودون إثرَ ذلك إلى ما كنتُم عليه من العُتوِّ والإصرارِ على الكفر وتنسَون هذه الحالَة وصيغةُ الفاعلِ في الفعلينِ للدِلالة على تحقُّقهما لا محالةَ ولقد وقعَ كلاهُما حيث كشف الله تعالى بدعاءِ النبيِّ صبى الله عليه وسلم فمَا لبِثُوا أنْ عادُوا إلى ما كانُوا عليه من العتق والعِنادِ ومَن فسر الدخانٍ بما هُو من الأشراطِ قال إذَا جاء الدخانُ تضوّرَ المعذبونَ به من الكفارِ والمنافقينِ وغوَّثُوا وقالُوا ربنا اكشف عنا العذاب إنَّا مؤمنونَ فيكشفه الله تعالَى عنهُم بعدَ أربعينَ وريثما يكشفُه عنهم يرتدونَ ولا يتمهلونَ
﴿يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى﴾ يومِ القيامةِ وقيل يومُ بدرٍ وهو ظرفٌ لما دلَّ عليه قولُه تعالى ﴿إِنَّا مُنتَقِمُونَ﴾ لا لمنتقمون لأن إنَّ مانعةٌ من ذلكَ أي يومئذٍ ننتقمُ إنَّا منتقمون وقيلَ هو بدلٌ منْ يومَ تأتِي الخ وقُرىءَ نُبطش أي نحملُ الملائكةَ على أن يبطشُوا بهم البطشةَ الكُبرى وهو التناولُ بعنفٍ وصَولةٍ أو نجعل البطشةَ الكُبرى باطشةً بهم وقُرِىءَ نبطُش بضمِّ الطاءِ وهي لغةٌ
﴿ولقد فتنَّا قبلهم قومَ فرعونَ﴾ أي امتحناهُم بإرسالِ موسى عليه السلام أوقعناهُم في الفتنةِ بالإمهالِ وتوسيعِ الرزقِ عليهم وقُرِىءَ بالتشديدِ للمبالغة أو لكثرة القوم ﴿وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ﴾ على الله تعالى أو على المؤمنين وفي نفسه لأن الله تعالى لم يبعثْ نبياً إلا منْ سَراةِ قومِه وكرامِهم
﴿أَنْ أَدُّواْ إِلَىَّ عِبَادَ الله﴾ أيْ بأنْ أدُّوا إليَّ بني إسرائيلَ وأرسلُوهم معي أو بأنْ أَدُّوا إلي عبادَ الله حقَّه من الإيمانِ وقبولِ الدَّعوةِ وقيلَ أنْ مفسرةٌ لأنَّ مجيءَ الرسولِ لا يكونُ إلا برسالةٍ ودعوةٍ وقيل مخفَّفةٌ من الثَّقيلة أيْ جاءَهُم بأن الشام أدُّوا إلى إلخ وقولُه تعالى ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ تعليلٌ للأمر أو لوجوب المأمورِ به أيْ رسولٌ غيرُ ظَنِينٍ قد ائتمننى الله تعالى على وحيه وصدَّقنِي بالمعجزاتِ القاهرةِ
﴿وأن لا تعلوا على الله﴾ أي لا تتكبرُوا عليه تعالى بالاستهانة بوحيهِ وبرسوله وأنْ كالتي سلفتْ وقوله تعالى ﴿إني آتيكم﴾ أي من جهته تعالى