٢١ - ٢٢ الجاثية فإنَّ ما فيهِ من معالمِ الدينِ وشعائرِ الشرائعِ بمنزلةِ البصائرِ في القلوبِ
﴿وهدى﴾ منْ ورطةِ الضلالةِ
﴿وَرَحْمَةً﴾ عظيمةٌ
﴿لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ منْ شأنِهم الإيقانُ بالأمورِ
﴿أَمْ حَسِبَ الذين اجترحوا السيئات﴾ استئنافٌ مَسوقٌ لبيانِ تباينِ حالَيْ المسيئينَ والمحسنين إثر بيان تباينِ حالَيْ الظالمينَ والمتقينَ وأمْ منقطعةٌ وما فيها من معنى بل للانتقال من البيانِ الأولِ إلى الثَّانِي والهمزةُ لإنكارِ الحُسبانِ لكنْ لا بطريقِ إنكارِ الوقوعِ ونفيهِ كَما في قولِه تعالَى أَمْ نَجْعَلُ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كالمفسدين فِى الأرض أَمْ نَجْعَلُ المتقين كالفجار بل بطريقِ إنكارِ الواقعِ واستقباحِه والتَّوبيخِ عليه والاجتراحُ الاكتسابُ
﴿أَن نَّجْعَلَهُمْ﴾ أي نُصيَّرهُم في الحُكمِ والاعتبارِ وهُم على ما هم عليه من مساوئ الأحوال
﴿كالذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ وهُم فيمَا هُم فيهِ من محاسنِ الأعمالِ ونعاملُهُم معاملتهم في الكرامة ورفع الدرجة
﴿سَوَاء محياهم ومماتهم﴾ أيْ محيَا الفريقينِ جميعاً ومماتُهم حال من الضمير في الظرفِ والموصولِ معاً لاشتمالِه على ضميريِهما على أنَّ السواء بمعنى المستوى محياهُم ومماتُهم كلاَّ لا يستوونَ في شيءٍ منهُمَا فإنَّ هؤلاءِ في عزِّ الإيمانِ والطاعةِ وشرفِهما في المَحيا وفي رحمةِ الله تعالَى ورضوانِه في المماتِ وأولئك في ذلك الكفر والمعاصي وهو أنهما في المَحيا وفي لعنةِ الله والعذابِ الخالدِ في المماتِ شتانَ بينهما وقد قيلَ المراد إنكارُ أنْ يستووا في المماتِ كما استَووا في الحياةِ لأن المسيئينَ والمحسنينَ مستوٍ محياهُم في الرزقِ والصحةِ وإنما يفترقون في الممات وقرئ محياهم ومماتَهم بالنصبِ على أنَّهما ظرفانِ كمقْدَمِ الحاجِّ وسواء حاله على حالِه أي حالَ كونِهم مستوينَ في محياهُم ومماتِهم وقد ذُكرَ في الآية الكريمة وجوه من الإعرابِ والذي يليقُ بجزالة التنزيل هو الأول فتدبر وقرئ سواءٌ بالرَّفعِ على أنَّه خبرُ ومحياهُم مبتدأٌ فقيلَ الجملةُ بدل من الكافِ وقيل حالٌ وأيَّا ما كان فنسبة حسبات التساوي إليهم في ضظم الإنكارِ التوبيخيِّ مع أنَّهم بمعزلٍ منه جازمونَ بفضلِهم عليه إنكارٌ لحسبانِ الجزمِ بالفضلِ وتوبيخٌ عليهِ على أبلغِ وجهٍ وآكدِه
﴿سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾ أي ساءَ حكمُهم هَذا أو بئسَ شيئاحكموا به ذلكَ
﴿وخلق الله السماوات والأرض بالحق﴾ استئنافٌ مقررٌ لما سبقَ من الحكمِ فإنَّ خلقَ الله تعالى لَهُما وَلِما فيهما بالحقِّ المُقتضِي للعدلِ يستدعِي لا محالة تفضيل المُحْسنِ على المُسيءِ في المَحْيا والمَمَاتِ وانتصارَ المظلومِ من الظالمِ وإذَا لم يطّردْ ذلك في المَحيا فهُو بعد المماتِ حَتْماً
﴿ولتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ عطفٌ عَلى بالحقِّ لأنَّ فيهِ مَعْنى التعليلِ إذْ معناهُ خلَقَها مقرونةً بالحكمة والصواب دون البعث والباطلِ فحاصلُه خلقَها لأجلِ ذلكَ ولتُجزَى الخ أو على علة


الصفحة التالية
Icon