خبرُهُ قولُه تعالى ﴿بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق مِن رَّبِّهِمْ﴾ أيْ ذلكَ كائنٌ بسببِ أن الأولين ابتعوا الشيطانَ كما قالَهُ مجاهدٌ ففعلوا ما فعلوا من الكفرِ والصدِّ فبيانُ سببيةِ اتباعِه للإضلالِ المذكورِ متضمنٌ لبيانِ سببيتِهما له لكونِه أصلاً مُستتبعاً لهما قطعاً وبسببِ أنَّ الآخرينَ اتبعُوا الحق الذي لا محيد عنه كائناً من ربِّهم ففعلوا ما فعلوا من الإيمانِ به وبكتابِه ومن الأعمالِ الصالحة فبيانُ سببيةِ اتِّباعِه لما ذُكرَ من التكفيرِ والإصلاحِ بعدَ الإشعارِ بسببيةِ الإيمانِ والعملِ الصَّالحِ له متضمنٌ لبيانِ سببيتِهما له لكونِه مبدأً ومنشأً لهما حتماً فلا تدافُعَ بينَ الإشعارِ والتصريحِ في شئ من الموضعينِ ويجوزُ أن يحمل الباطل ما يُقابلُ الحقَّ وهو الزائلُ الذاهبُ الذي لا أصلَ له أصلاً فالتَّصريحُ بسببيةِ اتباعهِ لإضلالِ أعمالِهم وإبطالِها لبيانِ أنَّ إبطالَها لبطلانِ مبناها وزوالِه وأما حملُه على ما لا يُنتفعُ به فليسَ كَما ينبغِي لِما أنَّ الكفرَ والصدَّ أفحشُ منه فلا وجَه للتصريحِ بسببيتِه لما ذُكر من إضلالِ أعمالِهم بطريقِ القصرِ بعدَ الإشعارِ بسببيتِهما له فتدبر ويجوزُ أنْ يرادَ بالباطلِ نفسُ الكفرِ والصدِّ وبالحقِّ نفسُ الإيمانِ والأعمالِ الصالحةِ فيكونُ التنصيصُ على سببيتِهما لما ذُكَرَ من الإضلالِ ومن التفكير والإصلاحِ تصريحاً بالسببيةِ المُشعرِ بَها في المَوقعينِ ﴿كذلك﴾ أي مثلَ ذلكَ الضربِ البديعِ ﴿يَضْرِبُ الله﴾ أيْ يبينُ ﴿لِلنَّاسِ أمثالهم﴾ أي أحوالَ الفريقينِ وأوصافَهما الجاريةَ في الغرابةِ مَجْرى الأمثالِ وهي اتباعُ الأولينِ الباطلَ وخيبتُهم وخُسرانُهم واتباعُ الآخرينَ الحقَّ وفوزُهم وفلاحُهم والفاءُ في قولِه تعالى
﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ﴾ لترتيبِ مَا في حيزِها من الأمرِ على ما قبلها فإنَّ ضلالَ أعمالِ الكفرةِ وخيبتَهم وصلاحَ أحوالِ المؤمنينَ وفلاحَهم ممَّا يُوجبُ أنْ يرتّب على كلَ من الجانبينِ ما يليقُ من الأحكامِ أيْ فإذَا كان الأمر كما ذكر فإذَا لقيتُموهم في المُحاربةِ ﴿فَضَرْبَ الرقاب﴾ أصلُه فاضربُوا الرقابَ ضرباً فحُذفَ الفعلُ وقُدِّمَ المصدرُ وأُنيبَ مُنابَهُ مضلفا إلى المفعولِ وفيِه اختصارٌ وتأكيدٌ بليغٌ والتعبيرُ به عن القتلِ تصويرٌ له بأشنعِ صورةٍ وتهويلٌ لأمرِه وإرشاده للغزاةِ إلى أيسرَ ما يكونُ منْهُ ﴿حتى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ﴾ أي أكثرتُم قتلَهم وأغلظتموه من الشئ الثخينِ وهو الغليظُ أو أثقلتمُوهم بالقتلِ والجراحِ حتَّى أذهبتُم عنهُم النهوضَ ﴿فَشُدُّواْ الوثاق﴾ فأْسِرُوهم واحفظُوهم والوَثاقُ اسمٌ لما يُوثقُ بهِ وكذا الوثاقُ بالكسرِ وقَدْ قرئ بذلكَ ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء﴾ أيْ فإمَّا تمنونَ منًّا بعد ذلكَ أو تفْدونَ فداءً والمَعْنى التخييرُ بين القتلِ والاسترقاقِ والمنِّ والفداءِ وهذا ثابتٌ عند الشافعيِّ رحمَهُ الله تَعَالَى وعندنَا منسوخٌ قالُوا نزلَ ذلكَ يومَ بدرٍ ثُمَّ نُسخَ والحكمُ إما القتلُ أو الاسترقاقُ وعن مجاهدٍ ليسَ اليومَ منٌّ ولا فداءٌ إنما هُو الإسلامُ أو ضرب العنق وقرئ فداً كعَصَا ﴿حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا﴾ أوزارُ الحربِ آلاتُها وأثقالُها التي