سورة عبس (٢٨ ٣٤) وقوله تعالى
وَعِنَباً عطفٌ على حباً وليسَ من لوازم العطفِ أنْ يُقيدَ المعطوفُ بجميع ما قُيِّد به المعطوفُ عليه فلا ضيرَ في خُلوِّ إنباتِ العنبِ عن شقِّ الأرضِ
وَقَضْباً أي رطبة سُميتْ بمصدرِ قضَبهُ أي قطَعهُ مبالغةً كأنَّها لتكرر قطعِها وتكثرِه نفسُ القطعِ
وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً الكلامُ فيهما وفي أمثلهما كما في العنبِ
وَحَدَائِقَ غُلْباً أي عظاماً وصفَ به الحدائقُ لتكاثفها وكثرةِ أشجارِها أو لأنَّها ذات أشجارِها أو لأنَّها ذاتُ أشجارٍ غلاظٍ مستعارٌ من وصفِ الرقابِ
وفاكهة وَأَبّاً أي مَرْعى من أبَّه إذَا أمَّه أي قصَدُه لأنَّه يُؤمُ ويُنتجعُ أو منْ أبَّ لكذا إذا تهيأ لأنه متهيء للرَّعِي أو فاكهةً يابسةً تؤبُ للشتاءِ وعن الصدِّيقِ رضيَ الله عنه أنه سُئلَ عن الأبِّ فقالَ أيُّ سماءٍ تُظلِني وأيُّ أرضٍ تُقِلَني إذَا قلتُ في كتاب الله مالا علَم لى بهِ وعن عمر رضيَ الله عنه أنَّه قرأَ هذه الآيةَ فقالَ كلُّ هذا قد عرفَنا فَما الأبُّ ثم رفض عصاً كانتْ بيدِه وقالَ هَذا لعَمْرُ الله التكلفُ وما عليكَ يا ابنَ أُمِّ عمرَ أنْ لا تدريَ ما الأبُّ ثم قالَ اتبعُوا ما تبينَ لكُم من هذا الكتابِ ومالا فدعُوه
متاعا لَّكُمْ ولأنعامكم إمَّا مفعول له أي فعل ذلكَ تمتيعاً لكُم ولمواشيكُم فإنَّ بعضَ النعمِ المعدودةِ طعامٌ لهم وبعضَها علفٌ لدوابِّهم والالتفاتُ لتكميل الامتنانِ وإمَّا مصدرٌ مؤكِّدٌ لفعله المضمرِ بحذف الزوائدة أي متعكم بذلك متاعا أو لفعلٍ مترتبٍ عليهِ أي متعكم بذلك فتمتعتُم متاعاً أي تمتعا كما مر غيره مرةٍ أو مصدرٌ من غير لفظهِ فإنَّ ما ذُكر من الأفعالِ الثلاثةِ في مَعْنى التمتيعِ
فَإِذَا جَاءتِ الصاخة شروعٌ في بيان أحوالِ معادهم إثرَ بيانِ مبدأِ خلقِهم ومعاشِهم والفاءُ للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها من فُنون النعمِ عن قريب كما يشعرُ لفظُ المتاعِ بسرعة زَوَالِها وقربِ اضمحلالِها والصاخةُ هي الداهيةُ العظيمةُ التي يصخُّ لها الخلائقُ أي يصيخونَ لها من صخَّ لحديثِه إذا أصاخَ له واستمتع وصفتْ بها النفخةُ الثانيةُ لأنَّ الناسَ يصيخُونَ لها وقيل هي الصيحةُ التي تصخُّ الآذانَ أي تصمَّها لشدةِ وقعِها وقيلَ هي مأخوذةٌ من صخَّهُ بالحجرِ أي صكَّهُ وقولُه تعالى
يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ