٦٨ سورة القلم (٣ ٨)
النهاياتِ النائيةِ من حَصانةِ العقلِ ورَزَانَةِ الرأيِ
﴿وَإِنَّ لَكَ﴾ بمقابلةِ مقاساتِكَ ألوانَ الشدائدِ منْ جهتِهِم وتحملِك لأعباءِ الرسالةِ ﴿لأَجْرًا﴾ لثواباً عظيماً لا يُقادَرُ قَدرُهُ ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ معَ عظمِهِ كقولِهِ تعالَى عَطَاء غير مجذوذ او غير ممنونٍ عليكَ من جهةِ الناسِ فإنَّهُ عطاؤُه تعالى بلاَ توسطٍ
﴿وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ لا يُدرِكُ شأوَهُ أحدٌ منَ الخلقِ ولذلكَ تحتملُ من جهتهم مالا يكادُ يحتملُهُ البشرُ وسُئلتْ عائشةَ رضيَ الله عنها عن خلقه ﷺ فقالتْ كان خُلُقه القُرآنَ ألستَ تقرأُ القُرآنَ قَدْ افلح المؤمنون والجملتان معطوفتنا على جوابِ القسمِ
﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ﴾ قالَ ابنُ عباس رضي الله عنهما فستعلمُ ويعلمونَ يومَ القيامةِ حينَ يتبينَ الحقُّ من الباطلِ وقيل فستبصرُ ويبصرونَ في الدُّنيا بظهورِ عاقبةِ أمرِكُم بغلبةِ الإسلامِ واستيلائِكَ عليهِم بالقتلِ والنهبِ وصيرورتِكَ مهيباً مُعظماً في قلوبِ العالمينَ وكونِهِم أذلةً صاغرينَ قالَ مقاتلٌ هَذا وعيدٌ بعذابِ يومِ بدرٍ
﴿بِأَيّكُمُ المفتون﴾ أي أيكم الذي فُتنَ بالجنونِ والباءُ مزيدةٌ أو بأيكم الجنونُ على أنَّ المفتونَ مصدرٌ كالمعقولِ والمجلودِ أو بأيِّ الفريقينِ منكُم المجنونُ أبفريقِ المؤمنينَ أم بفريقِ الكافرينَ أي في أيِّهما يوجدُ من يستحقُّ هَذا الإسمَ وهو تعريضٌ بأبي جهلِ بن هشام والوليد ابن المغيرة واضربهما كقولِهِ تعالَى سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الكذاب الأشر وقولُه تعالَى
﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ﴾ تعليلٌ لما ينبىءُ عنهُ ما قبلَهُ من ظهورِ جنونِهِم بحيثُ لا يَخْفى على أحد وتأكيدا لما فيهِ من الوعدِ والوعيدِ أي هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عن سبيله تعالَى المؤدِّي إلى سعادةِ الدارينِ وهامَ في تيهِ الضلالِ متوجهاً إلى ما يفيضه إلى الشقاوةِ الأبديةِ وهذا هُو المجنونُ الذي لا يفرقُ بين النفعِ والضررِ بل يحسبُ الضررَ نفعاً فيؤثرهُ والنفعَ ضرراً فيهجُرهُ ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين﴾ إلى سبيلِهِ الفائزينَ بكلِّ مطلوبٍ الناجين عن كل محذوروهم العقلاءُ المراجيحُ فيجزِي كلاً من الفريقينِ حسبَما يستحقُّهُ من العقابِ والثوابِ وإعادةُ هو أعلمُ لزيادةِ التقريرِ والفاء في قوله تعالى
﴿فَلاَ تُطِعِ المكذبين﴾ لترتيبِ النهْيِ على ما يُنبىء عنهُ ما قبلَه من اهتدائه ﷺ وضلالِهِم أو على جميعِ ما فُصّل من أوَّلِ السورة وهذا


الصفحة التالية
Icon