ذكرمن تأكيد فخامة المقسمبه المستتبعِ لتأكيدِ مضمونِ الجملةِ المقسمِ عليها وإنْ نافيةٌ ولما بمعنى إلا أي ما كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا حافظٌ مهيمنٌ رقيبٌ وهو الله عزَّ وجلَّ كما في قوله تعالى وَكَانَ الله على كُلّ شَىْء رَّقِيباً وقيلَ هو من يحفظُ عملَها ويُحصي تعالى ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لحافظين كِرَاماً﴾ الآيةَ وقولُه تعالى ﴿وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً﴾ وقولُه تعالى ﴿لَهُ معقبات مّن بينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خلفِه يَحْفَظُونَهُ﴾ وقُرِىءَ لَمَا مخففةٌ على أنَّ إنْ مخففةٌ من الثقيلةِ واسمُها الذي هو ضميرُ الشأنِ محذوفٌ والَّلامُ هي الفارقةُ وما مزيدةٌ أي أنَّ الشأنَ كلُّ نفسٍ لعليها حافظٌ والفاء في قوله تعالى
فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ
للتنبيهِ على أنَّ مَا بُينَ مِنْ أن كلَّ نفسٍ عليها حافظٌ يُحصي عليها كلَّ ما يصدرُ عنها من قولٍ وفعلٍ مستوجبٌ على الإنسانِ أنْ يتفكرَ في مبدأِ فطرتِه حق التفكر حتى يتضح له أن من قدر على إنشائه من موادّ لم تشمّ رائحة الحياة قط فهو قادرٌ على إعادتِه بل أقدرُ على قياسِ العقلِ فيعملَ ليومِ الإعادةِ والجزاءِ ما ينفعُه يومئذٍ ويجديهِ ولا يملى على حافظِه ما يرد به وقولُه تعالى
خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ
استئنافٌ وقع جوابا عن استفهامٍ مقدرٍ كأنه قيلَ ممَّ خلقَ فقيلَ خلقَ من ماءٍ ذِي دفقٍ وهو صبٌّ فيه دفعٌ وسيلانٌ بسرعةٍ والمرادُ بهِ الممتزجُ من الماءينِ في الرحمِ كما ينبىءُ عنه قولُه تعالى
يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترائب
أي صلبِ الرجلِ وترائبِ المرأةِ وهي عظامُ صدرِها قالوا إن النطفةَ تتولدُ من فضلِ الهضمِ الرابعِ وتنفصلُ عن جميعِ الأعضاءِ حتى تستعدَّ لأنْ يتولدَ منها مثلُ تلك الأعضاءِ ومقرُّها عروقٌ ملتفٌ بعضُها بالبعضِ عند البيضتينِ فالدماغُ أعظمُ الأعضاءِ معونةً في توليدِها ولذلك تشبهُه ويورثُ الإفراطُ في الجماعِ الضعفَ فيهِ وله خليفه هي النخاعُ وهو في الصلبِ وشعبٌ كثيرةٌ نازلة إلى الترائبِ وهما أقربُ إلى أوعيةِ المنيِّ فلذلك خُصَّا بالذكرِ وقُرِىءَ الصَّلَبِ بفتحتينِ والصُّلُبِ بضمتينِ وفيه لغةٌ رابعةٌ هي صالبُ
أَنَّهُ
الضميرُ للخالقِ تعالَى فإنَّ قولَه خُلِقَ يدلُّ عليهِ أيْ أنَّ ذلكَ الذي خلقَهُ إبتداءً مما ذكرَ
على رَجْعِهِ
أي على إعادتِه بعد موتِه
لَقَادِرٌ
لبينُ القدرة
يَوْمَ تبلى السرائر
أي يُتعرفُ ويُتصفحُ ما أُسرَّ في القلوبِ من العقائدِ والنياتِ وغيرها وما أُخفي من الأعمالِ ويُميزُ بين ما طابَ منها وما خبث وهو