٨٧ سورة الأعلى (٤ ٧)
لرأيت كلَ منَها ما تحارُ فيه العقولُ يُروى أنَّ الأفعَى إذَا بلغتْ ألفَ سنةٍ عميتْ وقدْ ألهمَها الله تعالَى أنْ تمسحَ عينَها بورقِ الرازيانجِ الغضِّ يُردُّ إليها بصرُها فربَّما كانتْ عندَ عُروضِ العَمَى لها في بريةٍ بينَها وبين الريفِ مسافةٌ طويلةٌ فتطويها حتى تهجمَ في بعضِ البساتينِ على شجرة الرازيانجِ لا تُخطئها فتحكَّ عينَها بورَقِها وترجعَ باصرةً بإذنِ الله عزَّ وجلَّ ويُروى أنَّ التمساحَ لا يكونُ له دُبرٌ وإنَّما يخرجُ فضلاتِ ما يأكلُه من فمِه حيثُ قيَّضَ الله له طائراً قُدِّر غذاؤُه من ذلكَ فإذَا رآهُ التمساحُ يفتحُ فمَهَ فيدخُلُه الطائرُ فيأكلُ ما فيهِ وقد خلقَ الله تعالى له من فوقِ منقارِه ومن تحتِه قرنينِ لئلا يطبقَ عليه التمساحُ فمَهُ هَذا وأمَّا فنونُ هداياتِه سبحانَهُ وتعالَى للإنسانِ من حيثُ الجسميةُ ومن حيثُ الحيوانيةُ لا سيِّما من حيثُ الإنسانيةُ فممَّا لا يحيطُ به فَلَكُ العبارةِ والتحريرُ ولا يعلمُه إلا العليمُ الخبر
والذى أَخْرَجَ المرعى
أيْ أنبتَ ما يرعاهُ الدوابُّ غضّاً طرياً يرفُ
فَجَعَلَهُ
بعدَ ذلكَ
غُثَاء أحوى
أي دَريناً أسودَ وقيلَ أحْوَى حالٌ من المَرْعى أي أخرجَهُ أَحْوَى من شدة الخضرةِ والريِّ فجعلَه غُثاءً بعدَ ذلكَ وقولُه تعالى
سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى
بيانٌ لهداية الله تعالَى الخاصَّةِ برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم إثرَ بيانِ هدايتِه تعالى العامَّةِ لكافَّةِ مخلوقاتِه وهي هدايته عليه الصلاة والسلام لتلقِّي الوَحْي وحفظِ القرآنِ الذي هو هُدى للعالمينَ وتوفيقُه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لهدايةِ الناسِ أجمعينَ والسين إمَّا للتأكيدِ وإمَّا لأنَّ المرادَ إقراءُ ما أَوْحى الله إليهِ حينئذٍ وما سيُوحى إليهِ بعدَ ذلكَ فهو وعد كريم باستمرار الوَحْي في ضمنِ الوعدِ بالإقراءِ أي سنُقرئكَ ما نُوحِي إليكَ الآنَ وفيما بعدُ على لسانِ جبريلَ عليهِ السَّلامُ أو سنجعلكَ قارئاً بإلهامِ القراءةِ فلا تنْسى أصلاً من قوةِ الحفظِ والإتقانِ مع أنَّكَ أميٌّ لا تدرِي ما الكتابُ وما القراءةُ ليكونَ ذلك آيةً أُخْرى لكَ معَ ما في تضاعيفِ ما تقرؤه من الآياتِ البيناتِ من حيثُ الإعجازُ ومن حيثُ الإخبارُ بالمغيباتِ وقيلَ فلا تنْسى نهيٌ والألفُ لمراعاة الفاصلةِ كما في قولِه تعالى ﴿فأضلُّونَا السبيلاَ﴾ وقولُه تعالى
إلا ما شاء الله
استثناءٌ مفرَّغٌ من أعم المفاعيلِ أيْ لا تَنْسى ممَّا تقرؤُه شيئاً من الأشياءِ إلا ما شاءَ الله أنْ تنساهُ أبداً بأنْ نُسخَ تلاوتُه والالتفاتُ إلى الإسم الجليل لتربية المهابةِ والإيذانِ بدورانِ المشيئةِ على عُنوانِ الأُلوهيةِ المستتبعةِ لسائرِ الصفاتِ وقيل المرادُ به النسيانُ في الجملةِ على القلةِ والندرةِ كما روي أنه عليه الصلاة والسَّلامُ أسقطَ آيةً في قراءته في الصلاة فحسب أبيُّ أنها نُسختْ فسألَه فقال عليه الصلاة


الصفحة التالية
Icon