٨٨ سورة الغاشية (١٨ ٢٣)
خُلقتْ خلقاً بديعاً معدولاً بهِ عن سُننِ خلقةِ سائرِ أنواعِ الحيواناتِ في عظمِ جثتِها وشدةِ قوتِها وعجيبِ هيأتِها اللائقةِ بتأتِّي ما يصدرُ عنها من ألأفاعيل الشاقة كالنوء بالأوقار الثقيلةِ وجرِّ الأثقالِ الفادحةِ إلى الأقطارِ النازحةِ وفي صبرها على الجو والعطشِ حتى إن أظماءَها لتبلغُ العشرَ فصاعداً واكتفائِها باليسيرِ ورعيها لكلِّ ما يتيسرَ من شوكٍ وشجرٍ وغير ذلك مما لا يكاد يزعاه سائرُ البهائمِ وفي انقيادِها مع ذلكَ للإنسانِ في الحركةِ والسكونِ والبروكِ والنهوضِ حيثُ يستعملُها في ذلكَ كيفما يشاءُ ويقتادُها بقطارِها كلُّ صغيرٍ وكبيرٍ
وَإِلَى السماء
التي يشاهدونها كل لحظة بالليل والنهار
كَيْفَ رُفِعَتْ
رفعاً سحيق المدى بلا عمادٍ ولا مساكٍ بحيث لا يناله الفهم والادراك
وَإِلَى الجبال
التي ينزلون في أقطارها وينتفعون بمياهها وأشجارها
كَيْفَ نُصِبَتْ
نصباً رصيناً فهيَ راسخةٌ لا تميلُ ولا تميدُ
وَإِلَى الأرض
التي يضربونَ فيها ويتقلبونَ عليها
كَيْفَ سُطِحَتْ
سطحاً بتوطئةٍ وتمهيدٍ وتسويةٍ وتوطيدٍ حسبما يقتضيهِ صلاحُ أمورِ ما عليها من الخلائقِ وقُرِىءَ سُطِّحتْ مُشدداً وقُرِئتْ الأفعالُ الأربعةُ على بناء الفاعل للمتلكم وحذف الراجعِ المنصوبِ والمعنى أفلا ينظرونَ نظرَ التدبرِ والاعتبارِ إلى كيفيةِ خلقِ هذه المخلوقاتِ الشاهدةِ بحقيةِ البعثِ والنشورِ ليرجعُوا عمَّا هُم عليهِ من الإنكارِ والنفورِ ويسمعُوا إنذاركَ ويستعدُّوا للقائِه بالإيمانِ والطاعةِ والفاءُ في قولِه تعالى
فَذَكّرْ
لترتيبِ الأمرِ بالتذكيرِ على ما ينبىءُ عنه الإنكارُ السابقُ من عدمِ النظرِ أي فاقتصرْ على التذكيرِ ولا تلحَّ عليهم ولا يُهمنَّكَ أنَّهم لا ينظرونَ ولا يتذكرونَ وقولُه تعالى
إِنَّمَا أَنتَ مُذَكّرٌ
تعليلٌ للأمرِ وقولُه تعالَى
لست عليهم بمصيطر
تقريرٌ لهُ وتحقيقٌ لمَعْنى الإنذارِ أي لستَ بمتسلطٍ عليهم تجبرُهم على ما تريد كقوله تعالى وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ وقُرِىءَ بالسينِ على الأصلِ وبالاشمام وقُرِىءَ بفتحِ الطاءِ قيلَ هي لغة بني تمتم فإنَّ سيطرَ عندهم متعدَ ومنه قولُهم تسيطرُ وقولُه تعالَى
إِلاَّ مَن تولى وَكَفَرَ
استثناءٌ منقطعٌ أي لكِنْ من تولَّى منهم فإنَّ لله تعالَى الولايةَ والقهرَ