٨٩ سورة الفجر (١٤ ١٧)
خلطُ الشيءِ بعضَه ببعضٍ فالمَعْنى ما خُلِطَ لهم من أنواعِ العذابِ وقد فسر بالنصيب وبالشدةِ أيضاً لأن السوطَ يطلقُ على كلَ منهُما لغةً فلا حاجةَ حينئذٍ في تشبيهِه بالمصبوبِ إلى اعتبارِ تكررِ تعلقِه بالمعذبِ كما في المَعْنى الأولِ فإن كلَّ واحدٍ من هذه المعاني مما يقبلُ الاستمرارَ في نفسه وقولُه تعالَى
إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد
تعليلٌ لما قبلَهُ وإيذانٌ بأن كفارَ قومِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ سيصيبُهم مثلُ ما أصابَ المذكورينَ من العذابِ كما يُنْبىء عنه التعرُّضُ لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلامُ وقيلَ هو جوابُ القسمِ وما بينهما اعتراضٌ والمرصادُ المكانُ الذي يَترقبُ فيه الرصدُ مِفْعَالٌ منْ رصدَهُ كالميقاتِ من وقتَهُ وهذا تمثيلٌ لإرصادِه تعالى بالعُصاةِ وأنَّهم لا يفوتونَهُ وقولُه تعالى
فَأَمَّا الإنسان
الخ متصلٌ بما قبلَهُ كأنَّه قيلَ إنه تعالَى بصددِ مراقبةِ أحوالِ عبادِه ومجازاتِهم بأعمالِهم خيراً وشراً فأما الإنسانُ فلاَ يهمُّهُ ذلكَ وإنما مطمحُ أنظارِه ومرصدُ أفكارِه الدُّنيا ولذائذِها
إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ
أي عاملَهُ معاملةَ من يبتليهِ بالغِنَى واليسارِ والفاءُ في قولِه تعالى
فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ
تفسيريةٌ فإنَّ الإكرامَ والتنعيمَ من الابتلاءِ
فَيَقُولُ رَبّى أَكْرَمَنِ
أي فضلنِي بما أعطانِي من المال والجاهِ حسَبما كنتُ أستحقهُ ولا يخطُر بباله أنه فضلٌ تفضلَ به عليهِ ليبلوَهُ أيشكرُ أم يكفرُ وهوُ خبرٌ للمبتدأ الذي هُوَ الإنسانُ والفاءُ لما في أمَّا منْ مَعْنى الشرطِ والظرفُ المتوسطُ على نيةِ التأخيرِ كأنَّه قيلَ فأمَّا الإنسانُ فيقولُ ربِي أكرمنِ وقتَ ابتلائِه بالإنعامِ وإنما تقديمُه للإيذانِ من أولِ الأمرِ بأنَّ الإكرامَ والتنعيمَ بطريق الابتلاءِ ليتضحَ اختلالُ قولِه المحكيِّ
وَأَمَّا إِذَا مَا ابتلاه
أيْ وأما هُو إذا ما ابتلاهُ ربُّه
فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ
حسبما تقتضيهِ مشيئتُه المبنيةُ على الحكم البالغةِ
فَيَقُولُ رَبّى أَهَانَنِ
ولا يخطر ببالِه أنَّ ذلكَ ليبلوهُ أيصبرُ أم يجزعُ مع أنه ليسَ من الإهانةِ في شيءٍ بل التقتيرُ قد يُؤدِّي إلى كرامةِ الدارينِ والتوسعةُ قد تُفْضِي إلى خسرانِهما وقُرِىءَ فقدَّرَ بالتشديدِ وقرىء أكرمني وأهانني بإثبات الياء وأكرمنْ وأهاننْ بسكون النون في الوقف
كلا
ردع للإنسان عن مقالتِه المحكيةِ وتكذيبٌ له فيهَا في كلتَا الحالتينِ قال ابن عباس رضي الله عنهُمَا المَعْنى لم أبتله بالغنى (سقط ١٥٦) عليَّ ولم أبتلِه بالفقرِ لهوانِه عليَّ بلْ ذلكَ لمحضِ القضاءِ والقدرِ وحملُ الردعِ والتكذيبِ إلى قولِه الأخيرِ بعيدٌ وقولُه تعالَى
بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم
انتقالٌ من بيانِ سوءِ أقوالِه إلى بيانِ سوءِ أفعالِه والالتفاتُ إلى الخطابِ للإيذانِ باقتضاءِ ملاحظةِ جنايته السابقةِ لمشافهتِه بالتوبيخِ تشديداً للتقريعِ وتأكيداً للتشنيعِ والجمعُ باعتبار


الصفحة التالية
Icon