٩٣ سورة الضحى (٥ ٧)
لكنَّهُ لا يخلُو في الدُّنيا من بعضِ العوارضِ الفادحةِ في تمشيةِ الأحكامِ معَ أنَّه عندَمَا أعدَّ له عليه الصلاة والسلام في الآخرةِ من السبقِ والتقدمِ على كافةِ الأنبياءِ والرسلِ يومَ الجمعِ يَوْمَ يقوم الناس لرب العالمين وكونُ أمتِه شهداءَ على سائرِ الأممِ ورفعُ درجاتِ المؤمنينَ وإعلاءُ مراتبِهم بشفاعتِه وغيرُ ذلكَ من الكراماتِ السَّنيةِ التي لا تحيطُ بهَا العبارةُ بمنزلةِ بعضِ المبادىء بالنسبةِ إلى المَطَالبِ وقيلَ المرادُ بالآخرةِ عاقبةُ أمرِه عليه الصلاة والسلام أي لنهايةُ أمركَ خيرٌ من بدايتِه لا تزالُ تتزايدُ قوةً وتتصاعدُ رفعةً وقولُه تعالَى
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى
عِدَةٌ كريمةٌ شاملةٌ لمَا أعطاهُ الله تعالَى في الدُّنيا من كمالِ النفسِ وعلومِ الأولينَ والآخرينَ وظهورِ الأمرِ وإعلاءِ الدينِ بالفتوحِ الواقعةِ في عصرِه عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ وفي أيامِ خلفائِه الراشدينَ وغيرِهم من الملوكِ الإسلاميةِ وفشُوِّ الدعوةِ والإسلامِ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها ولما ادخرَ لهُ من الكراماتِ التي لا يعلمُها إلا الله تعالَى وقدْ أنبأ ابنَ عباسٍ رضيَ الله عنهُما عن شَمَّةٍ منهَا حيثُ قالَ له عليه الصلاة والسلام في الجنة الف قصرمن لؤلؤٍ أبيضَ ترابُه المسكُ واللامُ للابتداءِ دخلتِ الخبرَ لتأكيدِ مضمونِ الجُملةِ والمبتدأُ محذوفٌ تقديرُهُ ولأنتَ سوفَ يُعطيكَ الخ لا للقسمِ لأنَّها لا تدخلُ على المضارعِ إلاَّ معَ النونِ المؤكدةِ وجمعُها معَ سوفَ للدلالةِ على أنَّ الإعطاءَ كائنٌ لا محالةَ وإنْ تراخَى لحكمةٍ وقيلَ هيَ للقسمِ وقاعدةُ التلازمِ بينَها وبينَ نونِ التأكيدِ قد استثنى النجاة منهَا صورتينِ إحداهُمَا أنْ يفصلَ بينَها وبينَ الفعلِ بحرفِ التنفيسِ كهذه الآية وكقولِه والله لسأعطيكَ والثانيةُ أن يُفصلَ بينهما بمعمولِ الفعلِ كقولِه تعالَى ﴿لإِلَى الله تُحْشَرُونَ﴾ وقال أبُو عليَ الفارسيُّ ليستْ هذه اللامُ هيَ التي في قولِكَ إنَّ زيداً لقائمٌ بلْ هيَ التي في قولِكَ لأقومَنَّ ونابتْ سوفَ عن إحدَى نونِي التأكيدِ فكأنَّه قيلَ وليعطينكَ وكذلكَ اللامُ في قولِه تعالَى وَلَلأَخِرَةُ الخ وقولُه تعالَى
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فاوى
تعديدٌ لمَا أفاضَ عليه عليه الصلاة والسلام من أول أمرِه إلى ذلكَ الوقتِ من فنونِ النعماءِ العظامِ ليستشهدَ بالحاضر الموجودِ على المترقبِ الموعودِ فيطمئنَّ قلبُه وينشرحَ صدرُهُ والهمزةُ لإنكارِ النفي وتقريرِ المنفي على أبلغ وَجْهٍ كأنَّه قيلَ قد وجدكَ الخ والوجودُ بمعنى العلمِ ويتيماً مفعولُه الثَّانِي وقيلَ بمعنى المصادقةِ ويتيماً حال من مفعولِه رُويَ أنَّ أباهُ ماتَ وهُوَ جنينٌ قد أتتْ عليهِ ستةُ أشهرٍ وماتتْ أمُّهُ وهوَ ابنُ ثمانِ سنينَ فكفلَهُ عَمُّه أبُو طالبٍ وعطّفه الله عليه فأحسنَ تربيتَهُ وذلكَ إيواؤُهُ وقُرِىءَ فَأَوَى وهُوَ إمَّا من أواهُ بمعنى آواهُ أو من أوَى لَهُ إذَا رَحِمَهُ وقولُه تعالَى
وَوَجَدَكَ ضَالاًّ
عطفٌ على ما يقتضيهِ الإنكارُ السابقُ كمَا أُشير إليهِ أو على المضارعِ المنفيِّ بلمْ داخلٌ في حُكمِه كأنَّهُ قيلَ أمَا وجدكَ يتيماً فآوى ووجدكَ غافلاً عنِ الشرائعِ التي لا تهتدِي


الصفحة التالية
Icon