سورة البينة آية (٣ ٥) السلامُ منْ حيثُ إنَّ تلاوةَ مَا فيها بمنزلةِ تلاوتِها وقولُه تعالى
﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيّمَةٌ﴾ صفةٌ لصحفاً أوْ حالٌ منْ ضميرها في مطهرةٍ ويجوزُ أنْ يكونَ الصفةُ أو الحالُ الجارَّ والمجرورَ فَقَطْ وكتبٌ مرتفعاً بِه على الفاعليَّةِ ومَعْنى قيمةٌ مستقيمةٌ ناطقةٌ بالحقِّ والصوابِ
وقولُه تعالَى
﴿وَمَا تَفَرَّقَ الذين أُوتُواْ الكتاب﴾ إلخ كلامٌ مسوقٌ لغايةِ تشنيعِ أهلِ الكتابِ خاصَّةٌ وتغليظِ جناياتِهم ببيانِ أنَّ ما نسبَ إليهمْ من الانفكاكِ لم يكُنْ لاشتباهٍ مَا في الأمرِ بلْ كانَ بعدَ وضوحِ الحقِّ وتبينِ الحالِ وانقطاعِ الأعذار بالكليةِ وهُوَ السرُّ في وصفِهم بإيتاءِ الكتابِ المنبئ عن كمالِ تمكنِهم منْ مطالعتِه والإحاطةِ بَما فِي تضاعيفِه من الأحكامِ والأخبارِ التي مِنْ جُملتِها نعوتُ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم بعدَ ذكِرَهم فيما سبقَ بما هُوَ جارٍ مَجْرَى اسمِ الجنسِ للطائفتينِ ولَمَّا كانَ هؤلاءِ وَالمشركونَ باعتبارِ اتفاقِهم عَلَى الرأي المذكورِ في حكمِ فريقٍ واحدٍ عبرَ عَمَّا صدرَ عنهمْ عقيبَ الاتفاقِ عندِ الإخبارِ بوقوعِه بالانفكاكِ وعندَ بيانِ كيفية وقوعه بالتفرق اعتبارا لاستقلال كل من فريقي أهل الكتاب وإيذاناً بأن انفكاكهم عن الرأي المذكور ليس بطريق الاتفاق على رأي أخر بل بطريق الاختلاف القديم وقولُه تعالى ﴿إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينة﴾ استثناءٌ مفرغٌ منْ أعمِّ الأوقاتِ أيْ وما تفرقُوا في وقتٍ منَ الأوقاتِ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الحجةُ الواضحةُ الدالَّةُ على أنَّ رسولَ الله ﷺ هو الموعودُ في كتابِهم دلالةً جليةً لا ريبَ فيَها كقولِه تعالى ﴿وَمَا اختلف الذين أُوتُواْ الكتاب﴾ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العلم وقولُه تعالى
﴿وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله﴾ جملةُ حاليةٌ مفيدةٌ لغايةِ قبحِ ما فعلُوا أيْ والحالُ أنَّهم ما أُمروا في كتابِهم إلا لأجلِ أنْ يعبدُوا الله وقيلَ اللامُ بمَعْنى أنْ أي إلا بأنْ يعبدُوا الله ويعضدُه قراءةُ إلا أنْ يعبدُوا الله ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدين﴾ أي جاعلينَ دينَهُم خَالِصاً له تعالَى أو جاعلينَ أنفسَهُم خالِصةً لَهُ تعالَى في الدِّينِ ﴿حُنَفَاء﴾ مائلينَ عن جميعِ العقائدِ الزائغةِ إلى الإسلامِ ﴿ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة﴾ إنْ أُريدَ بهما ما في شريعتِهم من الصَّلاةِ والزَّكاةِ فالأمرُ ظاهرٌ وإنْ أُريدَ ما في شريعتِنا فمَعْنى أمرِهم بهما في الكتابينِ أنَّ أمرَهُم باتباعِ شريعتِنا أمرٌ لهم بجميعِ أحكامِها التي هُمَا من جُملتها ﴿وَذَلِكَ﴾ إشارةٌ إلى ما ذُكِرَ من عبادةِ الله تعالى وبالإخلاص وإقامةِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ وما فيه من معنى البُعدِ للإشعارِ بعلوِّ رتبتِه وبُعد منزلتِه ﴿دِينُ القيمة﴾ أي دينُ الملةِ القيمةِ وقرئ الدينُ القيمةُ على تأويلِ الدينِ بالملةِ هذا وقد قيلَ قولُه تعالى ﴿لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ﴾ إلى


الصفحة التالية
Icon