آبائِك وعصمتُكم وشرفُكم في قديمِ الدهرِ لا تكلمِني فيهِ ألهاكَ عنْهُ ذَودٌ أخذتُ لكَ فقالَ عبدُ المطلبِ أنا ربُّ الإبلِ وإن للبيت رباً يحميِه ثم رجعَ وأتىَ بابَ الكعبةِ فأخذَ بحلقتِه ومعهَ نفرٌ من قريشٍ يدعونَ الله عَزَّ وجَلَّ فالتفتَ وهو يدعُو فإذا هو بطيرٍ منْ نحوِ اليمنِ فقالَ والله إنها لطيرٌ غريبةٌ مَا هيَ نجديةٌ ولا تهاميةٌ فأرسلَ حلقةَ البابِ ثمَّ انطلقَ معَ أصحابِه ينتظرونَ ماذَا يفعلُ أبرهةُ فأرسلَ الله تعالَى عليهُم الطيرَ فكانَ ما كانَ وقيلَ كانَ أَبْرهةُ جَدَّ النجاشيِّ الذي كانَ في زمنِ النبيِّ ﷺ وعنْ عائشةَ رضيَ الله عَنْهَا قالتْ رأيتُ قائدَ الفيلِ وسائسَه أعميينِ مُقعدينِ يستطعمان وقُرِىءَ أَلم تَرْ بسكونِ الراءِ للجدِّ في إظهارِ أثرِ الجازمِ وقولُه تعالَى
﴿أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ﴾ الخ بَيَانٌ إِجْمَاليٌ لمَا فعلَه الله تَعَالى بهمْ وَالهْمزةُ للتقريرِ كَما سبقَ ولذلكَ عطفٌ عَلَى الجملةِ الاستفهاميةِ ما بعدَهَا كأنَّه قيلَ قدْ جعلَ كيدَهُم في تعطيلِ الكعبةِ وتخريبِها في تضييعٍ وإبطالٍ بأنْ دمَّرهُم أشنعَ تدميرٍ
﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ﴾ أَيْ طوائفَ وجماعاتٍ جمعُ أبالةٍ وهيَ الحزمةُ الكبيرةُ شُبهتْ بَها الجماعةُ من الطيرِ في تضامِّها وقيلَ أبابيلَ مثلُ عبابيدَ وشماطيطَ لا واحدَ لهَا
﴿ترميهم بحجارة﴾ صفة لطير وقُرِىءَ يَرْميهِمْ بالتذكيرِ لأنَّ الطير اسم جمع تأنيثه باعتبارِ المَعْنَى ﴿مّن سِجّيلٍ﴾ من طينٍ مُتحجرٍ مُعَرَّبُ سَنْك كِلْ وقيلَ كأنهُ عَلمٌ للديوانِ الذي كتبَ فيهِ عذابُ الكفارِ كما أنَّ سجيناً علمٌ للديوانِ الذي يكتبُ فيه أعمالُهم كأنَّه قيلَ بحجارةٍ من جملةِ العذابِ المكتوبِ المدونِ وَاشتقاقُه منَ الإسجالِ وهُوَ الإرسالُ
﴿فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ﴾ كورقِ زرع فيهِ الأكالُ وهُوَ أنْ يأكلُه الدودُ أوْ أكلَ حبُّه فبقَي صِفراً منْهُ أوْ كتبنٍ أكلتْهُ الدوابُّ وَرَاثتْهُ أشيرَ إليهِ بأولِّ أحواله عنِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ سورةَ الفيلِ أعفاهُ الله تعالَى أيامُ حياتِهِ منَ الخسفِ والمسخِ وَالله أعلمُ