} ١١ سورة المد آية (٣ ٥)
الأمرُ كما أخبرَ بهِ القرآن
الآيات ٣ ٥
﴿سيصلى﴾ بفتحِ الياءِ وقُرِىءَ بضمِّها وفتحِ اللامِ بالتخفيفِ والتشديدِ والسينُ لتأكيدِ الوعيدِ وتشديدِه أيْ سيدخلُ لا محالةَ بعدَ هذا العذابِ العاجلِ في الآخرةِ ﴿نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ﴾ أيْ ناراً عظيمةً ذاتَ اشتعالٍ وتوقدٍ وهيَ نارُ جهنمَ وليسَ هذا نصاً في أنَّه لا يؤمنُ أبداً حَتَّى يلزم من تكليفه الإيمان بالقرآن أن يكون مكلفاً بأنُ يؤمنَ بأنَّهُ لاَ يؤمنُ أبداً فيكونَ مأموراً بالجمعِ بينَ النقيضينِ كما هُوَ المشهورُ فإنَّ صِلي النارِ غيرُ مختصَ بالكفارِ فيجوزُ أنْ يفهمَ أبْو لهبٍ من هذا أنَّ دخولَهُ النارَ لفسقِه ومعاصيهِ لا لكفرِهِ فلا اضطرارَ إلى الجوابِ المشهورِ من أنَّ ما كلفَهُ هُوَ الإيمانُ بجميعِ ما جاء به النبيُّ صلَّى الله عليهِ وسلم إجمالاً لا الإيمانَ بتفاصيلِ ما نطقَ بهِ القرآنُ حتَّى يلزمَ أنْ يكلفَ الإيمانَ بعدمِ إيمانِه المستمرِ
﴿وامرأته﴾ عطفٌ على المستكنِّ في سيصلَى لمكانِ الفصلِ بالمفعولِ وهيَ أمُّ جميلٍ بنت حرب أخب أبي سفيانَ وكانتْ تحملُ حزمةً من الشوكِ والحَسَكِ والسعدانِ فتنثرَها بالليلِ في طريق النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم وكان ﷺ يطؤُه كمَا يطأُ الحريرَ وقيلَ كانتْ تمشِي بالنميمةِ ويقالُ لمنْ يمشِي بالنمائمِ ويفسدُ بينَ الناسِ يحملُ الحطبَ بينهُمْ أيْ يوقدُ بينهُم النارَ ﴿حَمَّالَةَ الحطب﴾ بالنصبِ على الشتمِ والذمِّ وقيلَ على الحاليةِ بناءً على أنَّ الإضافةَ غيرُ حقيقيةٍ إذِ المرادُ أنَّها تحملُ يومَ القيامةِ حزمةً من حطبِ جهنمَ كالزقومِ والضريعِ وعن قتادةَ أنَّها معَ كثرةِ مالِها كانتْ تحملُ الحطبَ على ظهرِهَا لشدةِ بُخْلها فعيرتْ بالبخلِ فالنصبُ حينئذٍ على الشتمِ حتما وقرئ بالرفع على أنه خبرُ وأمرأته مبتدأ وقرئ حمالةٌ للحطبِ بالتنوينِ نصباً ورفعا وقرئ مُريَّتُهُ بالتصغيرِ للتحقيرِ
﴿فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مَّسَدٍ﴾ جملةٌ من خبرٍ مقدمٍ ومبتدأ مؤخرٍ والجملةُ حاليةٌ وقيلَ الظرفُ خبرٌ لامرأتِه وحبلٌ مرتفعٌ بهِ على الفاعليةِ وقيلَ هُو حالٌ من امرأتِه على تقديرِ عطفِها على ضميرِ سيصلَى وحبلٌ فاعلٌ كما ذُكرَ والمسدُ ما يُفتلُ من الحبالِ فتلاً شديداً من ليفِ المقلِ وقيلَ من أيِّ ليفٍ كانَ وقيلَ من لُحاءِ شجرٍ باليمنِ وقَدْ يكونُ من جلودِ الإبلِ وأوبارِها والمَعْنى في عنقِها حبلٌ ممَّا مسد من الحبل وأنها تحملُ تلكَ الحزمةَ من الشوكِ وتربطُها في جيدِها كما يفعلُ الحطابونَ تخسيساً بحالِها وتصويراً لهَا بصورةِ بعضِ الحطاباتِ من المواهنِ لتمتعضَ من ذلكَ ويتمعضَ بعلُها وهُما في بيتِ العزِّ والشرفِ قالَ مُرةُ الهَمْدانيُّ كانتْ أمُّ جميلٍ تأتِي كُلَّ يومٍ بإبالةٍ من حَسَكٍ فتطرحُها على طريقِ المسلمينَ فبينَا هي ذاتَ ليلةٍ حاملةٌ حزمةً أعيتْ فقعدتْ على حجرٍ لتستريحَ فجذبَها الملكُ من خلفِها فاختنقتْ بحبلِها عنِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ سورة المسد ثبت رجوتُ أنْ لا يجمعَ الله بينَهُ وبينَ أبي لهبٍ في دارٍ واحدةٍ


الصفحة التالية
Icon