٦٩ سورة الحاقة (١٠ ١٥)
البعثِ والقيامةِ
﴿فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبّهِمْ﴾ أي فعَصَى كلُّ أُمَّةٍ رسولَهَا حينَ نَهَوهُم عمَّا كانُوا يتعاطونَهُ من القبائحِ ﴿فَأَخَذَهُمْ﴾ أي الله عزل وجَلَّ ﴿أَخْذَةً رَّابِيَةً﴾ أي زائدةً في الشدةِ كما زادتْ قبائحُهُم في القبحِ من ربا الشيء اذ زاد
﴿إنا لما طغى الماء﴾ بسببِ إصرارِ قومِ نوحٍ على فنونِ الكفرِ والماصي ومبالغتِهِم في تكذيبِهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فيما أوحَى إليهِ من الأحكامِ التي من جُملتها أحوالُ القيامةِ ﴿حملناكم﴾ أي في أصلابِ أبائِكُم ﴿فِى الجارية﴾ في سفينةِ نوحٍ عليهِ السَّلامُ والمرادُ بحملِهِم فيها رفعُهُم فوقَ الماءِ إلى انقضاءِ أيامِ الطُّوفانِ لا مجردُ رفعِهِم إلى السفينةِ كما يُعربُ عنهُ كلمةُ في فإنَّها ليستْ بصلةٍ للحملِ بلْ متعلقةٌ بمحذوفٍ هو حالٌ من مفعولِهِ أي رفعناكُم فوقَ الماءِ وحفظناكُم حالَ كونِكُم في السفينةِ الجاريةِ بأمرِنَا وحفظِنَا وفيه تنبيهٌ على أنَّ مدارَ نجاتِهِم محضُ عصمتِهِ تعالى إنَّما السفينةُ سببٌ صُوريٌّ
﴿لِنَجْعَلَهَا﴾ أي لنجعلَ الفعلةَ التي هي عبارةٌ عن إنجاءِ المؤمنينَ وإغراقِ الكافرينَ ﴿لَكُمْ تَذْكِرَةً﴾ عبرةً ودلالةً على كمالِ قُدرة الصَّانعِ وحكمتِهِ وقوةِ قهرِهِ وسعةِ رحمَتِهِ ﴿وَتَعِيَهَا﴾ أي تحفظُهَا والوعيُ أنْ تحفظَ الشيءَ في نفسِكَ والإيعاءُ أن تحفظَهُ في غيرِ نفسِكَ من وعاءٍ وقُرِىء تَعْيها بسكونِ العينِ تشبيهاً له بكتفٍ ﴿أُذُنٌ واعية﴾ أي أذنٌ من شأنِهَا أنْ تحفظَ ما يجبُ حفظُهُ بتذكرِهِ وإشاعَتِهِ والتفكرِ فيهِ ولا تضيعُهُ بتركِ العملِ بهِ والتنكيرُ للدلالةِ على قلَّتِهَا وأنَّ مَن هَذا شأنُه مَع قلتِهِ يتسببُ لنجاةِ الجمِّ الغفيرِ وإدامةِ نسلِهِم وقُرِىءَ أُذْنٌ بالتخفيفِ
﴿فَإِذَا نُفِخَ فِى الصور نَفْخَةٌ واحدة﴾ شروعٌ في بيان نفس الحاقة وكيفة وقوعِهَا إثرَ بيانِ عظمِ شأنِهَا بإهلاكِ مكذبيها وإنَّما اسند الفعلِ إلى المصدرِ لتقييدِه وحسُنَ تذكيرُهُ للفصلِ وقُرِىءَ نفخةً واحدةً بالنصبِ على إسنادِ الفعلِ إلى الجارِّ والمجرورِ والمرادُ بها النفخةُ الأُولى التي عندَهَا خرابُ العالمِ
﴿وَحُمِلَتِ الأرض والجبال﴾ أي قلعت ورُفعتْ من أماكنِهَا بمجردِ القدرة الالهية او بتوسط الزلزلةِ أو الريحِ العاصفةِ ﴿فَدُكَّتَا دَكَّةً واحدة﴾ أيْ فضُربتْ الجملتانِ إثرَ رفعِهِمَا بعضِهَا ببعضٍ ضربةً واحدةً حتى تندقَّ وترجعَ كثيباً مهيلاً وهباءً منبثاً وقيل فبُسطتا بسطةً واحدةً فصارتَا قاعا صفصفا لا ترى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً من قولِهِم اندكَّ السنامُ إذا تفرشَ وبعيرٌ أدكُّ وناقةٌ دكاءُ ومنهُ الدكانُ
﴿فَيَوْمَئِذٍ﴾ فحينئذٍ ﴿وَقَعَتِ الواقعة﴾