أيِ الإنسُ ﴿كَمَا ظَنَنتُمْ﴾ إيُّها الجِنُّ على أنَّه كلامُ بعضِهم لبعضٍ ﴿أَن لَّن يَبْعَثَ الله أَحَداً﴾ وقيل المَعْنى أنَّ الجنَّ ظنُّوا كما ظننتُمْ أيُّها الكفرةُ الخ فتكونُ هذهِ الآيةُ وما قبلَها منْ جملة الكلامِ المُوحَى به والأقربُ أنهُمَا كذلكَ علَى كُلِّ تقديرٍ عطفاً على أنه استمَع اذ لاَ معْنَى لادراجهما تحتَ ما ذُكر من الإيمانِ والتصديقِ وكذا قولُه تعالَى
﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السماء﴾ وما بعده من الجمل المصدرة بأنَّا ينبغِي أنْ تكونَ معطوفةً على ذلكَ عَلى أنَّ المُوحَى عينُ عبارةِ الجنِّ بطريقِ الحكايةِ كأنَّه قيلَ قُلْ أُوحيَ إليَّ كيت وكيت وهذهِ العباراتُ أي طلبنَا بلوغَ السماءِ أو خبرَها واللمسُ مستعارٌ من المسِّ للطلبِ كالجسِّ يقال لمسَهُ والتمسَهُ وتلمسَهُ كطلَبُه واطلَبُه وتطلَبُه ﴿فوجدناها مُلِئَتْ حَرَساً﴾ أي حُراساً اسمُ جمعٍ كخدمٍ مفردُ اللفظِ ولذلكَ قيلَ ﴿شَدِيداً﴾ قوياً وهُم الملائكةُ يمنعونَهُم عنها ﴿وَشُهُباً﴾ جمعُ شهابٍ وهيَ الشعلةُ المقتبسةُ من نارِ الكواكبِ
﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ﴾ قبلَ هَذا ﴿مِنْهَا﴾ من السماءِ ﴿مقاعد لِلسَّمْعِ﴾ خاليةً عن الحرسِ والشهبِ أو صالحةٍ للترصدِ والاستماعِ وللسمعِ متعلقٌ بنقعدَ أي لأجلِ السمعِ أو بمضمرٍ هو صفةٌ لمقاعدَ كائنةً للسمعِ ﴿فَمَن يَسْتَمِعِ الأن﴾ في مقعدٍ من المقاعدِ ﴿يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً﴾ أي شهاباً راصداً لهُ ولأجلِه يصدُّه عن الاستماعِ بالرجمِ أو ذوي شهابٍ راصدينَ لهُ على أنَّه اسمٌ مفردٌ في مَعْنى الجمعِ كالحرسِ قيلَ حدثَ هذا عندَ مبعثِ النبيِّ عليه الصلاةَ والسَّلامُ والصحيحُ أنه كانَ قبلَ البعثِ أيضاً لكنَّه كثُر الرجمُ بعدَ البعثةِ وزادَ زيادةً حتَّى تنبه لها الإنسُ والجنُّ ومُنعَ الاستراقُ أصلاً فقالُوا ما هذا إلا لأمرِ أراده الله تعالى بأهلِ الأرضِ وذلك قولهم
﴿وَأَنَّا لاَ نَدْرِى أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِى الأرض﴾ بحراسةِ السماءِ ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً﴾ أي خيراً ونسبةُ الخيرِ إلى الله تعالى دونَ الشرِّ من الآداب الشريفةِ القرآنيةِ كما في قوله تعالى وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ونظائرُه
﴿وَأَنَّا مِنَّا الصالحون﴾ أي الموصوفونَ بصلاحِ الحالِ في شأنِ أنفسِهم وفي معاملتِهم مع غيرِهم المائلونَ إلى الخيرِ والصلاحِ حسبما تقتضيهِ الفطرةُ السليمةُ لا إلى الشرِّ والفسادِ كما هو مقتضَى النفوسِ الشريرةِ ﴿وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾ أي قومٌ دونَ ذلكَ فحذف الموصوفَ وهم المقتصدونَ في صلاحِ الحالِ على الوجهِ المذكورِ لا في الإيمانِ والتَّقوى كما توهَم فإنَّ هذا بيانٌ لحالِهم قبل استماعِ القرآن كما تعرب عنه قولِه تعالى ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً﴾ وأمَّا حالُهم بعد استماعِه فسيُحكى بقولِه تعالى وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الهدى إلى قولِه تعالى وَأَنَّا مِنَّا المسلمون أي كُنَّا قبل هذا ذَوِي طرائقَ أي مذاهبَ أو مثلَ طرائقَ في اختلافِ الأحوال او كانت طرائقنا طرائق قدد اي متفرقة مختلفة