سورة الأنسان (٣ ٦)
فهو كالمسبب عن الابتداء فلذلكَ عُطِفَ على الخلقِ المقيدِ به بالفاءِ ورُتِّبَ عليه قوله تعالى
إنا اهديناه السبيل بإنزالِ الآياتِ ونصبِ الدلائل
إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً حالانِ من مفعولِ هدينَا أي مكّناهُ وأقدرناهُ على سلوكِ الطريقِ الموصلِ إلى البُغيةِ في حالتيهِ جميعاً وإمَّا للتفصيلِ أو التقسيمِ أيْ هديناهُ إلى ما يوصلُ إليها في حاليهِ جميعاً أو مقسوماً إليهما بعضُهم شاكرٌ بالاهتداءِ والأخذِ فيهِ وبعضُهم كفورٌ بالإعراضِ عنْهُ وقيلَ من السبيلِ أي عرفناهُ السبيلَ إما سبيلاً شاكراً أو كفوراً على وصفِ السبيلِ بوصف سالكه مجازا وقرئ أَمَّا بالفتحِ على حذفِ الجواب أى أم اشاكرا فتوفيقنا وأَمَّا كفوراً فبسوءِ اختيارِه لا بمجرد وإجبارنا من غيرِ اختيارٍ منْ قِبَلِه وإيرادُ الكفورِ لمراعاة الفواصلِ والإشعارِ بأنَّ الإنسانَ قلَّما يخلُو من كفرانٍ مَا وإنَّما المؤاخذُ عليه الكفرُ المفرطُ
إِنَّا أَعْتَدْنَا للكافرين من أفراد الإنسان الذي هديناهُ السبيل
سلاسل بهَا يُقادُون
وأغلالا بها يُقيَّدونَ
وَسَعِيراً بهَا يُحرقُون وتقديمُ وعيدِهم معَ تأخرهم للجمع بينهُمَا في الذكر كما في قوله تعالى يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ الآيةَ ولأنَّ الإنذارَ أهمُّ وأنفعُ وتصديرُ الكلامِ وختمُه بذكرِ المؤمنينَ أحسنُ على أنَّ في وصفِهم تفصيلاً ربَّما يُخلُّ تقديمُه بتجاوب أطراف النظم الكريم وقرئ سلاسلاً للتناسب
إِنَّ الأبرار شروعٌ في بيانِ حُسنِ حالِ الشاكرينَ إثرَ بيانِ سوءِ حالِ الكافرين وإيراداهم بعنوانِ البِرِّ للإشعارِ بمَا استحقُّوا بهِ ما نالُوه من الكرامةِ السنيةِ والأبرارُ جمعُ بَرَ أو بارَ كربَ وأربابٍ وشاهدٍ وأشهادٍ قيلَ هُو من يبرُّ خالقه أي يطيعه وقيل من يمتثلُ بأمرِه تعالى وقيلَ من يؤدِّي حقَّ الله تعالى ويوفِّي بالنذرِ وعنِ الحسنِ البرُّ منْ لايؤذى الذرَّ
يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ هي الزجاجةُ إذا كانتْ فيها خمرٌ وتُطلقُ على نفسِ الخمرِ أيضاً فمِنْ على الأولِ ابتدائيةٌ وعلى الثاني تبيعضية أو بيانيةٌ
كَانَ مِزَاجُهَا أي ما تمزجُ به
كافورا اى ماء وهو اسمُ عينٍ في الجنَّةِ ماؤُها في بياضِ الكافورِ ورائحتِه وبردِه والجملةُ صفةُ كأسٍ وقولُه تعالَى
عَيْناً بدلٌ من كافُوراً وعنْ قتادةَ تمزجُ لهم بالكافورِ وتختمُ لهم بالمسكِ وقيل تخلق لهم رائحةُ الكافورِ وبياضُه وبردُه فكأنَّها مُزجتْ بالكافورِ فعيناً على هذينِ القولينِ بدلٌ منْ محلِّ منْ كأسٍ على تقديرِ مضافٍ أي يشربونَ خمراً خمرَ عينٍ أو نُصب على الاختصاص وقولُه تعالى
يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله صفةُ عيناً أي يشربونَ بها الخمرَ لكونِها ممزوجةً بهَا وقيل ضُمِّن يشربُ مَعْنى يلتذُّ وقيل الياء بمَعْنى مِنْ وقيلَ زائدةٌ ويعضدُه قراءةُ ابنِ أبِي عبلة يشربها