٦٧ سورة الملك (١٩ ٢١)
الإعراضِ عنهُم ﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ أي إنكارِي عليهِم بإنزالِ العذابِ أي كانَ على غايةِ الهولِ والفظاعةِ وهذا هو موردُ التأكيدِ القسَمِي لا تكذيبُهُم فقطْ وفيهِ من المبالغةِ في تسلية رسول الله ﷺ وتشديد التهديد لقومه مالا يَخْفَى
﴿أَوَ لَمْ يَرَوْاْ﴾ أغفَلوا ولم ينظُروا ﴿إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صافات﴾ باسطاتٍ أجنحتهنَّ في الجوِّ عند طيرانِهَا فإنهنَّ إذا بسطنَهَا صفَفنَ قوادِمها صفاً ﴿وَيَقْبِضْنَ﴾ ويضمُمنها إذا ضربنَ بها جنوبهنَّ حيناً فحيناً للاستظهارِ بهِ على التحركِ وهو السرُّ في إيثارِ يقبضنَ الدالِّ على تجددِ القبضِ تارةً بعد تارةٍ على قابضاتٍ ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ﴾ في الجوِّ عند الصفِّ والقبضِ على خلافِ مقتضى الطبعِ ﴿إِلاَّ الرحمن﴾ الواسعُ رحمتُهُ كلَّ شيءٍ بأنْ برأهُنَّ على أشكال وخصاصئص وهيأهُنَّ للجريِ في الهواءِ والجملةُ مستأنفةٌ أو حالٌ من الضميرِ في يقبضنَ ﴿إِنَّهُ بِكُلّ شَىْء بَصِيرٌ﴾ يعلمُ كيفيةَ إبداعِ المبدعاتِ وتدبيرِ المصنوعاتِ وقولِه تعالَى
﴿أم مّنْ هذا الذى هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مّن دُونِ الرحمن﴾ تبكيتٌ لهم بنفي أنْ يكونَ لهم ناصرٌ غيرُ الله تعالَى كما يلوحُ به التعرضُ لعنوانِ الرحمانيةِ ويعضُدهُ قولُه تعالَى مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرحمن أو ناصرٌ من عذابِهِ تعالَى كما هو الأنسبُ بما سيأتي من قولِه تعالَى إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ كقولِهِ تعالَى أَمْ لَهُمْ الِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا في المعنيينِ معاً خَلا أنَّ الاستفهامِ هُناكَ متوجهٌ إلى نفسِ المانعِ وتحققهِ وههُنا إلى تعيينِ الناصرِ لتبكيتِهِم بإظهارِ عجزِهِم عن تعيينِهِ وأم منقطعةٌ مقدرةٌ ببل المفيدةِ للانتقالِ من توبيخِهِم على تركِ التأملِ فيما يشاهدونَهُ من أحوالِ الطيرِ المنبئةِ عن تعاجيبِ آثارِ قدرةِ الله عزَّ وجلَّ إلى التبكيتِ بما ذُكِرَ والالتفاتُ للتشديدِ في ذلكَ ولا سبيلَ إلى تقديرِ الهمزةِ معَها لأنَّ ما بعدَهَا مَنْ الاستفهاميةُ وهي مبتدأٌ وهذا خبرُهُ والموصولُ مع صلتِهِ صفتُهُ كما في قوله تعالى مَن ذَا الذى يَشْفَعُ عِندَهُ وإيثارُ هذا لتحقيرِ المشارِ إليهِ وينصرُكُم صفةٌ لجندٌ باعتبارِ لفظِهِ ومن دونِ الرحمنِ على الوجهِ الأولِ إما حالٌ من فاعلِ ينصركُم أو نعتٌ لمصدرِهِ وعلى الثاني متعلقٌ بينصركم كما في قولِهِ تعالَى مَن يَنصُرُنِى مِنَ الله فالمَعْنَى بلْ مَنْ هذا الحقيرُ الذي هُو في زعمِكُم جندٌ لكم ينصرُكُم نصراً كائناً من دونِ نصرِهِ تعالَى أو ينصرُكُم من عذابٍ كائنٍ من عندِ الله عزَّ وجلَّ وتوهمُ أنَّ أمَّ معادلة لقوله تعالى او لم يَرَوْاْ الخ معَ القولِ بأنَّ مَنِ استفهاميةٌ مما لا تقريبَ له أصلاً وقولُه تعالَى ﴿إِنِ الكافرون إِلاَّ فِى غُرُورٍ﴾ اعتراضٌ مقررٌ لما قبلَهُ ناعِ عليهِم ما هُم فيهِ من غايةِ الضلالِ أي ما هُم في زعمِهِم أنَّهم محفوظونَ من النوائبِ بحفظِ آلهتِهِم لا بحفظِهِ تعالَى فقطْ أو أنَّ آلهتَهُم تحفظهُم من بأسِ الله إلا في غرورٍ عظيمٍ وضلالٍ فاحشٍ من جهةِ الشيطانِ ليسَ لهُم في ذلكَ شيءٌ يعتدُّ بهِ في الجملةِ والالتفاتُ إلى الغَيبة للإيذانِ باقتضاءِ حالِهِم للإعراضِ عنهُم وبيانِ قبائِحِهِم لغيرِهِم والإظهارُ في موقعِ الإضمارِ لذمِّهِم بالكُفرِ وتعليلِ غرورِهِم بهِ والكلامُ في قوله تعالى
﴿أم من هذا الذى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أمسك﴾