٧٨ سورة النبأ (٣ ٤)
لِلَّهِ الواحد القهار فعنْ متعلقةٌ بما يدلُّ عليهِ المذكورُ من مضمرٍ حقُّه أنْ يقدرَ بعدَها مسارعةً إلى البيانِ ومراعاةً لترتيبِ السؤالِ هذا هو الحقيقُ بالجزالةِ التنزيليةِ وقد قيلَ هي متعلقةٌ بالمذكورِ وعمَّ متعلقٌ بمضمرٍ مفسرٍ بهِ وأيَّد ذلكَ بأنَّه قُرىء عَمَّه والأظهرُ أنَّه مبنيٌّ على إجراءِ الوصل مْجرى الوقفِ وقيل عن الأُولى للتعليل كأنَّه قيلَ لمَ يتساءلون عن النبأ العظيم وقيل قبل عن الثانية استفهام مضمر كأنه قيل عم يتساءلون أعن النبأ العظيم والنبأُ الخبرُ الذي له شأنٌ وخطرٌ وقد وصفَ بقولِه تعالى
الذى هم فيه مختلفون
بعد وصفِه بالعظيم تأكيداً لخطره إثرَ تأكيدٍ وإشعاراً بمدار التساؤلِ عنه وفيهِ متعلقٌ بمختلفونَ قدم عليه اهتماماً به ورعايةً للفواصلِ وجعلُ الصلةِ جملةً اسميةً للدلالةِ على الثباتِ أي هُم راسخونَ في الاختلافِ فيهِ فمِن جازمٍ باستحالته يقولُ إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدهر وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ وشاكَ يقول ما ندري ما الساعة إن نظن إلاَّ ظنا وما نحن بمستقينين وقيلَ منهُم من ينكرُ المعادَينِ معاً كهؤلاءِ ومنهُم مَنْ ينكرُ المعادَ الجسمانيَّ فقطَّ كجمهور النَّصارى وقد حُملَ الاختلافُ على الاختلافِ في كيفيةِ الإنكارِ فمنْهُم مَنْ ينكرُه لإنكارِه الصانعَ المختارَ ومنهُم مَنْ يُنكرهُ بناء على استحالة اعادة المعدومِ بعينه وحملُه على الاختلاف بالنَّفي والإثباتِ بناءً على تعميم التساؤلِ لفريَقيْ المسلمينَ والكافرينَ على أنَّ سؤالَ الأولينَ ليزدادُوا خشيةً واستعداداً وسؤالَ الآخرينَ ليزدادُوا كُفراً وعناداً يردُّه قولُه تعالى
كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ
الخ فإنَّه صريحٌ في أنَّ المرادَ اختلافُ الجاهلينَ بهِ المنكرينَ له إذْ عليه يدورُ الردعُ والوعيدُ لا على خلاف المؤمنينَ لهم وتخصيصُهما بالكفرة بناءً على تخصيص ضميرِ سيعلمونَ بهم مع عموم الضميرينِ السابقينِ للكلِّ ممَّا ينبغِي تنزيهُ التنزيلِ عن أمثالِه هَذا ما أدَّى إليه جليلُ النظرِ والذي يقتضيِه التحقيقُ ويستدعيهِ النظرُ الدقيقُ أنْ يحملَ اختلافُهم على مخالفتِهم للنبيِّ عليه الصلاة والسلام بأن يُعتبرَ في الاختلافِ محضُ صدور الفعل عن المتعدد حسبَما ذُكرَ في التساؤلِ فإنَّ الافتعالَ والتفاعلَ صيغتانِ مُتآخيتانِ كالاستباقِ والتسابقِ والانتضالِ والتناضلِ إلى غيرِ ذلكَ يجري في كل منهما ما يَجْري في الأُخرى لا على مخالفةِ بعضهِم لبعضٍ من الجانبينِ لأنَّ الكُلَّ وإنِ استحقَ الردعَ والوعيدَ لكنَّ استحقاقَ كلِّ جانبٍ لهُما ليسَ لمخالفتِه للجانب الآخر اذ لاحقية في شيء منها حتَّى يستحقَّ مَن يخالفُه المؤاخذة بل لمخالفته له عليه الصلاة والسلام فكَلاَّ ردعٌ لهم عن التساؤلِ والاختلافِ بالمعنيينِ المذكورينِ وسيعلمونَ وعيدٌ لهم بطريقِ الاستئنافِ وتعليلٌ للردعِ والسينُ للتقريبِ والتأكيدِ وليسَ مفعولُه ما يني عنه المقامُ من وقوعِ ما يتساءلونَ عنه ووقوعِ ما يختلفونَ فيهِ كما في قولِه تعالى وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ إلى قولِه تعالى لِيُبَيّنَ لَهُمُ الذى يَخْتَلِفُونَ فِيهِ الآيةَ فإنَّ ذلكَ عارٍ عن صريحِ الوعيدِ بلْ هُو عبارةٌ عمَّا يلاقونَهُ من فنونِ الدَّواهِي والعقوباتِ والتعبيرُ عن لقائِها بالعلمِ