٧٨ سورة النبأ (٥ ١٠)
لوقوعِه في معرضِ التساؤلِ والاختلافِ والمَعْنى ليرتدعُوا عمَّا هُم عليهِ فإنَّهم سيعلمونَ عمَّا قليل حقيقةَ الحالِ إذا حلَّ بهم العذابُ والنكالُ وقولُه تعالى
ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ
تكريرٌ للردعِ والوعيدُ للمبالغةِ في التأكيدِ والتشديدِ وثمَّ للدَّلالة على أنَّ الوعيدَ الثَّاني أبلغُ وأشدُّ وقيلَ الأولُ عند النزعِ والثانِي في القيامةِ وقيلَ الأولُ للبعثِ والثاني للجزاءِ وقُرِىءَ ستعلمونَ بالتاءِ على نهجِ الالتفاتِ الى الخطاب المواقف لما بعده من الخطاباتِ تشديداً للردعِ والوعيدِ لا على تقديرِ قُل لهم كما تُوُهم فإنَّ فيهِ من الإخلالِ بجَزَالةِ النظمِ الكريم مالا يَخْفى وقولُه تعالَى
أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا
والجبال أَوْتَاداً
الخ استئنافٌ مسوق لتحقيق النبأ المستاءل عنُهُ بتعدادِ بعضِ الشواهدِ الناطقة بحقيقه إثرَ ما نبَّه عليها بما ذُكرَ من الردع والوعيدِ ومنْ ههُنا اتضحَ أنَّ المتساءَلَ عنه هو البعثُ لا القرآنُ أو نبوةُ النبيِّ عليهِ الصلاةَ والسَّلامُ كما قيلَ والهمزةُ للتقريرِ والالتفاتُ إلى الخطابِ على القراءةِ المشهورةِ للمبالغة في الإلزام والتبكيتِ والمِهادُ البساطُ والفراشُ وقُرِىءَ مَهْداً على تشبيهها بمهدِ الصبيِّ وهو ما يُمهدُ له فينوم عليه تسمية للممهود بالمصدرِ وجعَلُ الجبالِ أوتاداً لها إرساؤُها بها كما يُرسي البيتُ بالأوتادِ
وخلقناكم
عطف على المضارعِ المنفيِّ بلمْ داخلٌ في حُكمِه فإنَّه في قوةِ أمَا جعلَنا الخ أو على ما يقتضيهِ الإنكارُ التقريريُّ فإنَّه في قوَّةِ أنْ يقالَ قد جعلَنا الخ
أزواجا
اصنافا ذكرا وأنثى ليسكنَ كلٌّ من الصنفينِ إلى الآخرِ وينتظمَ أمرُ المعاشرةِ والمعاشِ ويتسنَّى التناسلُ
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً
أي موتاً لأنَّه أحدُ التوفيينِ لَما بينهُمَا من المشاركةِ التَّامةِ في انقطاعِ أحكامِ الحياةِ وعليهِ قولُه تعالى وَهُوَ الذى يتوفاكم بالليل وقولُه تعالى الله يَتَوَفَّى الانفس حِينَ مِوْتِهَا والتى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا وقيلَ قطعاً عنِ الإحساسِ والحركةِ لإراحةِ القُوى الحيوانيةِ وازاحة كلاهما والأولُ هو اللائقُ بالمقامِ كما ستعرفه
وجعلنا الليل
الذي فيهِ يقعُ النومُ غالباً
لِبَاساً
يسترُكم بظلامِه كما يسترُكم اللباسُ ولعلَّ المرادَ به ما يستر به عندَ النومِ من اللحافِ ونحوِه فإنَّ شبهَ الليلِ به أكملُ واعتبارَهُ في تحقيقِ المقصدِ أدخلُ فهو جعلَ الليلَ محلاً للنومِ الذي جْعلَ موتاً كما جعلَ النَّهارَ محلاً لليقظة