٧٨ سورة النبأ (١١ ١٤)
المعبرِ عنها بالحياةِ في قولِه تعالى
وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشاً
أي وقتَ حياةٍ تُبعثونَ فيهِ من نومكم الذي هُو أخوُ الموتِ كَما في قوله تعالى وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الليل لِبَاساً والنوم سُبَاتاً وَجَعَلَ النهار نُشُوراً وجعلُ كونِ الليلِ لباساً عبارةٌ عن تره عن العيونِ لمنْ أرادَ هرباً منْ عدوَ أو بياتاً له أو نحوِ ذلكَ ممَّا لا مناسبةَ له بالمقامِ وكذا جعلُ النهارِ وقتَ التقلبِ في تحصيلِ المعايشِ والحوايجِ
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً
أي سبعَ سمواتٍ قويةِ الخلقِ محكمةِ البناءِ لا يُؤثر فيها مرُّ الدهورِ وكرُّ العصورِ والتعبيرُ عن خلقها بالبناء مبنيٌّ على تنزيلِها منزلةَ القبابِ المضروبةِ على الخلقِ وتقديمُ الظرفِ على المفعولِ ليسَ لمراعاةِ الفواصلِ فقطْ بلْ للتشويقِ إليهِ فإنَّ ما حقُّه التقديمُ إذا أُخِّر تبقى النفسُ مترقبةً له فإذا وردَ عليها تمكّنَ عندَها فضلُ تمكنٍ
وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً
هذا الجعلُ بمعنى الإنشاءُ والإبداعِ كالخلقِ خَلا أنه مختصٌّ بالإنشاءِ التكوينيِّ وفيه مَعنى التقديرِ والتسويةِ وهذا عامٌّ له كَما في الآيةِ الكريمةِ وللتشريعيِّ أيضاً كَما في قوله تعالى مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ الخ وقولِه تعالى لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومنهاجا وأياما كانَ ففيهِ إنباءٌ عن ملابسةِ مفعولِه بشيءٍ آخرَ بأنْ يكونَ فيهِ أولَهُ أوْ مِنْهُ أو نحوُ ذلكَ ملابسةٌ مصحِّحةٌ لأنْ يتوسَّطَ بينهُمَا شيءٌ من الظروفِ لغواً كانَ أو مستقراً لكنْ لا على أنْ يكونَ عُمدةً في الكلامِ بل قيداً فيهِ كما في قوله تعالى وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وقولُه تعالَى وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وقولِه تعالى واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً الآيةَ فإن كلَّ واحدٍ من هذهِ الظروفِ إمَّا متعلقٌ بنفسِ الجعلِ أو بمحذوفٍ وقعَ حالاً من مفعولِه تقدمتْ عليه لكونِه نكرةً ايا ما كانَ فهو قيدٌ في الكلامِ حتَّى إذا اقتضَى الحالُ وقوعَه عمدةً فيه يكون الجمل متعدياً إلى اثنينِ هُو ثانيهما كما في قولِه تعالى يَجْعَلُونَ أصابعهم فِى آذانهم ورُبَّما يَشتبِهُ الأمرُ فيُظن أنَّه عمدةٌ فيهِ وهو في الحقيقة قيدٌ بأحدِ الوجهينِ كما سلفَ في قولِه تعالى إِنّي جَاعِلٌ فِى الأرض خَلِيفَةً والوهَّاجُ الوقَّادُ المتلألىءُ من وهجتِ النارُ إذا أضاءتْ أو البالغُ في الحرارةِ من الوهجِ والمرادُ به الشمسُ والتعبيرُ عنها بالسراجِ من روادفِ التعبيرِ عن خلقِ السمواتِ بالبناءِ
وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات
هي السحائبُ إذا أَعْصرتْ أي شَارفتْ أنْ تعصُرَها الرياحُ فتمطرَ كما في أحصدَ الزرعُ إذا حانَ له أنْ يُحصدَ ومنه أعصرتِ الجاريةُ إذا دنتْ أنْ تحيضَ أو الرياحُ التي حانَ لها أن تعصُرَ السحابَ وقُرِىءَ بالمعصرات ووجهُ ذلكَ أنَّ الإنزالَ حيثُ كانَ من المعصراتِ سواء أريدَ بها السحائبَ أو الرياحَ فقد كانَ بها كما يقالُ أعطاهُ من يدِه وبيدِه وقد فسرتِ المعصراتُ بالرياحِ ذواتِ الأعاصيرِ ووجههُ أنَّ الرياحَ هي التي