٧٨ سورة النبأ (١٥ ١٧)
تنشيء السحاب وتدر أخلافَه فصلحتْ أنْ تجعلَ مبتدأً للإنزالِ
مَآءً ثَجَّاجاً
أي مُنصبَّاً بكثرةٍ يقالُ ثجَّ الماءُ أي سالَ بكثرةٍ وثجَّه أيْ أسالَه ومنه قولُه عليهِ الصَّلاةُ والسلام افضل الحَجِّ العَجُّ والثَّجُّ أي رفعُ الصوتِ بالتلبيةِ وصبُّ دماء الهدي وقرىء ثجاجا بالحاءِ بعدَ الجيمِ قالُوا مثاجحُ الماءِ مصابُّه
لِّنُخْرِجَ بِهِ
بذلك الماءِ
حَبّاً
يقتاتُ كالحنطةِ والشعيرِ ونحوهِما
وَنَبَاتاً
يعتلفُ كالتبنِ والحشيشِ وتقديمُ الحبِّ مع تأخرهِ عن النباتِ في الإخراجِ لأصالتِه وشرفِه لأنَّ غالبَهُ غذاءُ الإنسانِ
وجنات
الجنَّةُ في الأصلِ هي المرةُ من مصدرِ جَنَّه إذا سترَهُ تُطلق على المخل والشجرِ المتكاثفِ المُظللِ بالتفافِ أغصانِه قالَ زُهيرِ بنِ أبي سُلْمى... كأنَّ عيني في غَربي مقتلة... منَ النواضِحِ تَسقِي جنَّةً سُحُقاً... وعَلَى الأرضِ ذاتُ الشجرِ قال الفَرَّاءُ الجنةُ ما فيهِ النخيلُ والفِردوسُ ما فيه الكَرْم والأولُ هو المرادُ وقولُه تعالَى
أَلْفَافاً
أي ملتفةً تداخلَ بعضُها في بعضٍ قالُوا لا واحدَ له كالأوزاعِ والأخيافِ وقيلَ الواحدُ لِفٌّ كَكِنَ وأكنانٍ أو لفيفٌ كشريفٍ وأشرافٍ وقيلَ هو جمعُ اف جمع لفَّاءَ كخضر وخضراءَ وقيلَ جمعُ ملتفةٍ بحذفِ الزوائدِ واعلم أنَّ فيما ذكر من أفعالَه عزَّ وجلَّ دلالةٌ على صحة البعثِ وحقِّيتِه من وجوه ثلاثةٍ الأولُ باعتبار قدرتِه تعالَى فإنَّ مَن قدَر على إنشاءِ هذهِ الأفعالِ البديعةِ من غيرِ مثالِ يَحتذيه ولا قانونٍ ينتحيهِ كانَ على الإعادةِ أقدرَ وأقوى الثَّانِي باعتبار علمِه وحكمتِه فإنَّ من أبدعَ هذه المصنوعاتِ على نمطِ رائع مستتبعٍ لغاياتِ جليلةٍ ومنافعَ جميلةٍ عائدة الى الخلق يتسحيل ان ينفيها بالكلية ولا يجعلَ لها عاقبةً باقيةً والثالثُ باعتبار نفسِ الفعلِ فإنَّ اليقظةَ بعد النومِ أنموذجٍ للبعث بعد الموتِ يشاهدونَها كلَّ يومٍ وكَذا إخراجُ الحبِّ والنباتِ من الأرض الميتةِ يعاينوه كلَّ حينٍ كأنَّه قيلَ ألم نفعلْ هذهِ الأفعالَ الآفاقيةَ والأنفسيةَ الدالةَ بفنون الدلالاتِ على حقية البعثِ الموجبةِ للإيمان به فما لكُم تخوضونَ فيه إنكاراً وتتساءلونَ عنه استهزاءً وقولُه تعالَى
إِنَّ يَوْمَ الفصل كَانَ ميقاتا
شروعٌ في بيان سرِّ تأخيرِ ما يتساءلونَ عنه ويستعجلونَ به قائلينَ متى هذا الوعد إِن كنتُم صادقينَ ونوعُ تفصيلٍ لكيفيةِ وقوعَه وما سيلقَونه عند ذلكَ من فُنون العذابِ حسبما جَرى به الوعيدُ إجمالاً أي إنَّ يومَ فصلِ الله عزَّ وجلَّ بينَ الخلائقِ كان في علمِه وتقديرِه ميقاتاً وميعاداً لبعثِ الأولينَ والآخرينَ وما يترتبُ عليهِ من الجزاءِ ثواباً وعقاباً لا يكادُ يتخطاهُ بالتقدمِ والتأخرِ وقيل حداً توقتُ به الدُّنيا وتنتهي عندَهُ أو حدا للخلائق ينتهون فيهِ ولا ريبَ في أنَّهما بمعزلٍ من التقريب الذي أشيرَ إليه على أنَّ الدنيا تنتهي عند النفخةِ الاولى


الصفحة التالية
Icon