٧٨ سورة النبأ (٢٠ ٢٢)
كقوله تعالى وفجرنا الارض عُيُوناً كأنَّ كلها عيونٌ متفجرةٌ وهو المرادُ بقولِه تعالى ويوم تشقق السماء بالغمام وهو الغَمامُ الذي ذُكر في قوله تعالى هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله أي أمرُه وبأسه فِي ظُلَلٍ مّنَ الغمامِ والملائكةِ وقيلَ الأبوابُ الطرقُ والمسالكُ أي تكشط فينتفح مكانُها وتصيرُ طرقاً لا يسدُّها شيءٌ
وسُيرتِ الجبالُ
أي في الجوِّ على هيآتها بعد قلعِها من مقارِّها كما يعرب عنه قوله تعالى وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب أي تَرَاها رأيَ العينِ ساكنةً في أماكِنها والحالُ أنَّها تمرُّ مرَّ السحابِ الذي يسيرُه الرِّياح سيراً حثيثاً وذلكَ أنَّ الأجرامَ العظامَ إذا تحركتْ نحواً من الأنحاءِ لا تكادُ يتبينُ حركتُها وإنْ كانتْ في غايةِ السرعةِ لا سيمَّا من بعيدٍ وعليهِ قولُ مَنْ قالَ بأرعنَ مثلِ الطَّوْدِ تحسَب أنَّهم وقوفٌ لحاجٍ والرِّكابُ تُهَمْلِجُ وقد أُدمج في هذا التشبيهِ تشبيهُ حالِ الجبالِ بحالِ السَّحابِ في تخلخل الأجزاءِ وانتفاشِها كما ينطق به قوله تعالى وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش يبدلُ الله تعالى الأرضَ ويغيرُ هيأتَها ويسيرُ الجبالُ على تلكَ الهيئةِ الهائلةِ عند حشرِ الخلائقِ بعد النفخةِ الثانيةِ ليشاهدُوها ثم يفرقها في الهواء وذلك قولُه تعالى
فَكَانَتْ سَرَاباً
أي فصارتْ بعدَ تسييرِها مثلَ السرابِ كقولِه تعالى وَبُسَّتِ الجبال بَسّاً فَكَانَتْ هباء منبثا أي غُباراً مُنتشراً وهيَ وان اندكت ونصدعت عند النَّفخةِ الأولى لكنْ تسييرُها وتسويِةُ الأرضِ إنَّما يكونانِ بعد النَّفخةِ الثانيةِ كما نطق به قوله تعالى ويسألونك عن الجبال فقل ينفسها رَبّى نَسْفاً فَيَذَرُهَا قَاعاً صفصفا لا ترى فيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الداعى وقولُه تعالى يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسموات وبرزوا الله الواحد الْقَهَّارِ فإنَّ اتّباعَ الدَّاعِي الذي هُو إسرافيلُ عليهِ السَّلام وبروزُ الخلقِ لله تعالى لا يكونُ إلا بعدَ النَّفخةِ الثَّانيةِ
إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً
شروعٌ في تفصيل أحكامِ الفصلِ الذي أضيفَ إليه اليوم اثر بيان هو له ووجهُ تقديمِ بيانِ حالِ الكفارِ غنيٌّ عن البيان والمرصادُ اسمٌ للمكان الذي يُرصد فيه كالمضمارِ الذي هُو اسمٌ للمكان الذي يُضمَّر فيه الخيلُ والمنهاجُ اسمٌ للمكانِ الذي ينهجُ فيهِ أيْ أنَّها كانتْ في حُكمِ الله تعالى وقضائِه موضعَ رصدٍ يرصدُ فيه خزنة النار الكفار ليعذبوهم فيها
للطاغين
متعلق بمضمر هو إمَّا نعتٌ لمرصاداً أي كائناً للطاغينَ وقولُه تعالَى
مآبا
بدلٌ منه أيْ مرجعاً يرجعونَ إليهِ لا محالةَ وإمَّا حالٌ مِنْ مآبا قُدِّمت عليهِ لكونِه نكرةٌ ولو تأخرتْ لكانتْ صفةً له وقد جُوِّزَ أنْ يتعلقَ بنفسِ مآبا على أنَّها مرصادٌ للفريقينِ مآبٌ للكافرينِ خاصَّة ولا يَخْفى بُعدُه فإنَّ المتبادرَ من كونِها مرصاداً لطائفةٍ كونُهم معذبينَ بَها وقد قيلَ إنَّها مرصادٌ لأهل الجنةِ يرصدُهم الملائكةُ الذين يستقبلونَهم عندَها لأنَّ مجازَهم عليها وهي مآب للطاغين


الصفحة التالية
Icon