٧٩ سورة النازعات (٦ ٧) إلى الملكِ القَرمِ وابنِ الهُمام وليثِ الكتائبِ في المُزدَحمْ [للإشعارِ بأنَّ كلَّ واحدٍ من الأوصافِ المعدودةِ من معظماتِ الأمورِ حقيقٌ بأن يكونَ على حيالِه مناطاً لاستحقاقِ موصوفِه للإجلالِ والإعظامِ بالإقسامِ بهِ من غيرِ انضمامِ الأوصافِ الأُخرِ إليهِ والفاءُ في الأخيرينِ للدلالةِ على ترتبِهما على ما قبلهما بغير مهملة كما في قوله] يا لهف زبابة الصائح فالغانمِ فالآئبِ [وغَرْقاً مصدرٌ مؤكِّدٌ بحذف الزَّوائد أيْ إغراقاً في النزع حيثُ تنزعُها منْ أقاصِي الأجسادِ قال ابن مسعود رضي الله عنه تنزعُ روحَ الكافرِ من جسدِه من تحتِ كلِّ شعرةٍ ومن تحتِ الأظافيرِ وأصولِ القدمينِ ثم تُغرقها في جسدِه ثم تنزعُها حتَّى إذَا كادتْ تخرجُ تردها في جسدِه فهذا عملُها بالكفار وقيلَ يَرى الكافرُ نفسَهُ في وقت النزعِ كأنها تغرقُ وانتصابُ نَشْطاً وسَبْحاً وسَبْقاً أيضاً على المصدريةِ وأما أمراً فمفعول للمدبرات وتنكيره وللتهويل والتفخيمِ ويجوزُ أنْ يُرادَ بالسابحاتِ وما بعدَهَا طوائفُ من الملائكةِ يسبحونَ في مُضيهم أي يُسرعونَ فيهِ فيسبقونَ ألى مَا أُمروا بهِ من الأمورِ الدنيويةِ والأخرويةِ والمُقسمُ عليهِ محذوفٌ تَعْويلاً على إشارةِ ما قبلَهُ من المقسمِ بهِ إليهِ ودلالةِ ما بعدَهُ من أحوالِ القيامةِ عليهِ وهو لتبعثنَّ فإنَّ الإقسامَ بمَنْ يتولَّى نزعَ الأرواحِ ويقومُ بتدبيرِ أُمورِها يلوحُ بكونِ المقسمِ عليهِ من قبيلِ تلكَ الأمورِ لا محالةَ وفيهِ مِنَ الجزالةِ مالا يَخْفى وقَدْ جُوِّزَ أنْ يكونَ إقساماً بالنجومِ التي تنزعُ من المشرقِ إلى المغربِ غرقاً في النزعِ بأن تقطعَ الفَلكَ حتَّى تنحطَّ في أقْصَى الغربِ وتنشطَ من برجٍ إلى برجٍ أي تخرجُ من نشطِ الثورِ إذَا خرجَ من بلدٍ إلى بلدٍ وتسبحُ في الفلكِ فيسبقُ بعضُها بعضاً فتدبرُ أمراً نيطَ بهَا كاختلاف الفصولِ وتقدير والأزمنة وتبينِ مواقيتِ العباداتِ وحيثُ كانتْ حركاتُها من المشرق إلى المغربِ قسريةً وحركاتُها من برجٍ إلى برجٍ ملائمةً عُبِّرَ عنِ الأُولى بالنزع وعن الثاني بالنشطِ أو بأنفسِ الغُزاةِ أو أيديهِم التي تنزعُ القِسِيَّ بإغراقِ السهامِ وينشطونَ بالسهمِ للرميِ ويسبحونَ في البرِّ والبحرِ فيسبقونَ إلى حربِ العدوِّ فيدبرونَ أمرَها أو بخيلِهم التي تنزعُ في أعنَّتِها نزعاً تغرقُ فيه الأعنةَ لطول أعناقِها لأنها عِرابٌ وتخرجُ منْ دارِ الإسلامِ إلى دارِ الحربِ وتسبحُ في جَريها لتسبق إلى الغابة فتدبرُ أمرَ الظفرِ والغلبةِ وإسنادُ التدبيرِ إليها لأنَّها من أسبابِه هذا والذي يليقُ بشأنِ التنزيلِ هُو الأول قوله تعالى
يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة منصوبٌ بالجوابِ المُضمرِ والمرادُ بالراجفةِ الواقعةُ التي ترجفُ عندَهَا الأجرامُ الساكنةُ أي تتحركُ حركة شديدة وتتنزلزل زلزلزلة عظيمةً كالأرضِ والجبالِ وهيَ النفخة الأولى وقيل الرجفة الأرضُ والجبالُ لقولِه تعالى يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض والجبال وقولُه تعالَى
تَتْبَعُهَا الرادفة أي الواقعةُ التي تُردِفُ الأُولى وهيَ النفخةِ الثانيةِ تابعةً لها لا قبلَ ذلكَ فإنَّه عبارةٌ عن الزمانِ الممتدِّ الذي يقعُ فيهِ النفختانِ وبينهما أربعونَ سنةً واعتبارُ امتدادِه معَ أنَّ البعثَ لا يكون إلا عند النفخةِ الثانيةِ لتهويل اليومِ ببيان كونه موقعا


الصفحة التالية
Icon