٧٩ سورة النازعات (١١ ١٥)
وقوله تعالى
ائذا كُنَّا عظاما نَّخِرَةً
تأكيدٌ لإنكار الردِّ ونفيِه بنسبتِه إلى حالةٍ منافيةٍ له والعاملُ في إذَا مضمرٌ يدلُّ عليهِ مردودونَ أي أَئِذا كُنَّا عظاماً باليةً نُردُّ ونبعثُ مع كونِها أبعدَ شيءٍ من الحياةِ وقُرِىءَ إذَا كُنَّا على الخبرِ أو إسقاطِ حرفِ الإنكارِ وناخرةٌ منْ نَخَر العظمُ فهو نَخِرٌ ونَاخِرٌ وهُو البَالِي الأَجْوفُ الذي يمرُّ به الريحُ فيُسمعُ له نخيرٌ
قالوا
حكاية لكفر آخرهم متفرعٍ على كُفْرِهم السابقِ ولعلَّ توسيطَ قالُوا بينهُمَا للإيذانِ بأنَّ صدورَ هذا الكفرِ عنهُم ليسَ بطريقِ الاطرادِ والاستمرارِ مثلَ كفرِهم السابقِ المستمرِّ صدورُه عنهُم في كافةِ أوقاتِهم حسبَما ينبىءُ عنْهُ حكايتُه بصيغةِ المضارعِ أيْ قالُوا بطريق الاستهزاءِ مشيرينَ إلى ما أنكرُوه من الردة في الحافرةِ مشعرينَ بغايةِ بُعدِها من الوقوعِ
تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسرة
أي ذاتُ خسرانٍ أو خاسرةٌ أصحابُها أيْ إنْ صحَّتْ فنحنُ اذن خاسرون لتكذبينا بهَا وقولُه تعالَى
فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ واحدة
تعليلٌ لمقدَّرٍ يقتضيهِ إنكارُهم لإحياءِ العظامِ النخرةِ التي عبرُوا عنهَا بالكرَّةِ فإنَّ مدارَهُ لما كانَ استصعابُهم إيَّاها ردَّ عليهم ذلكَ فقيلَ لا تستصعبُوهَا فإنَّما هيَ صيحةٌ واحدةٌ أي حاصلةٌ بصيحةٍ واحدةٍ وهي النفخةُ الثانيةُ عبِّر عنهَا بها تنبيها على كمال اتصالِها بها كأنَّها عينُها وقيلَ هيَ راجعٌ الى الرادفة فقوله تعلى
فَإِذَا هُم بالساهرة
حينئذٍ بيانٌ لترتب الكرّةِ على الزجرة مفاجأة اي فاذا هُم أحياءٌ على وجه الأرضِ بعدَ ما كانُوا أمواتاً في جَوفِها وعلى الأول بيانٌ لحضورِهم الموقفَ عقيبَ الكرةِ التي عبرَ عنها بالزجرةِ والساهرةُ الأرضُ البيضاءُ المستويةُ سُميتْ بذلكَ لأنَّ السرابَ يَجْري فيهَا من قولِهم عينٌ ساهرةٌ جاريةُ الماءِ وفي ضِدِّهَا نائمةٌ وقيلَ لأنَّ سالِكَها لا ينامُ خوفَ الهلكةِ وقيل اسمٌ لجهنمَ وقالَ الراغبُ هي وجهُ الأرضِ وقيلَ هيَ أرضُ القيامةِ ورَوَى الضحَّاكُ عنِ ابنِ عباس رضي الله عنهما أنَّ الساهرةَ أرضٌ من فضةٍ لم يعصَ الله تعالَى عليهَا قطْ خلقَها حينئذٍ وقيلَ هيَ أرضٌ يجددها الله عزَّ وجلَّ يومَ القيامةِ وقيلَ هيَ اسمُ الأرضِ السابعةِ يأتِي بها الله تعالَى فيحاسبُ الخلائقَ عليها وذلك حين تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض وقال الثوريُّ الساهرةُ أرضُ الشامِ وقال وهبُ بنُ منبهٍ جبلُ بيتِ المقدسِ وقيل الساهرةُ بمَعْنى الصحراء على شفيرِ جهنمَ وقولُه تعالى
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ موسى
كلامٌ مستأنفٌ واردٌ لتسلية رسولة الله ﷺ من تكذيبِ قومِه بأنَّه يصبهم مثل ما أصاب


الصفحة التالية
Icon