فمن قرأ بالزّاي: فالحجة له: أن العظام إذا كانت بحالها لم تبل، فالزّاي أولى بها، لأنها ترفع، ثم تكسي اللحم. والدليل على ذلك قوله تعالى: وَإِلَيْهِ النُّشُورُ «١» أي الرجوع بعد البلى «٢». والحجّة لمن قرأ بالرّاء «٣»: أن الإعادة في البلى وغيره سواء عليه، فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ «٤». ودليله قوله تعالى: ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ «٥».
قوله تعالى: فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ «٦». يقرأ بضم الصاد وكسرها. فالحجة لمن ضم: أنه أخذه من صار «٧» يصور إذا مال وعطف. وأنشد شاهدا لذلك:

يصور عنوقها أحوى زنيم له ظاب كما صخب الغريم
«٨» والحجّة لمن كسر: أنه أخذه: من صار يصير: إذا جمع. ومعناه: فقطّعهن «٩»، واجمعهن إليك.
(١) الملك: ١٥.
(٢) وعلى قراءة الزاي تكون النون مضمومة والشين مكسورة من أنشزته، والنشز: هو المرتفع من الأرض.
(٣) وعلى قراءة الراء تكون النون مفتوحة والشين مضمومة، وماضيه نشرته. انظر هاتين القراءتين في (إعراب القرآن للعكبري ١: ٢١٠).
(٤) البقرة: ١١٧، آل عمران: ٤٧ وفي الأصل من غير فاء وهو تحريف.
(٥) عبس: ٢٢.
(٦) البقرة: ٢٦٠.
(٧) صار الشيء إليه: أماله وقربه. (المعجم الوسيط ١: ٥٣٠) وقال الطبري: (قرأته عامة قراء أهل المدنية والحجاز والبصرة بضم الصاد من قول القائل: صرت هذا الأمر: إذا ملت إليه أصور صورا. ويقال: «إني إليكم لأصور»، أي: مشتاق مائل، ومنه قول الشاعر:
الله يعلم أنّا في تلفّتنا يوم الفراق إلى أحبابنا صور
وهو جمع أصور، وصوراء، وصور، مثل أسود وسوداء وسود.. ) ومعنى قوله: فصرهن إليك على هذه القراءة:
اضممهن إليك، ووجّههن نحوك: (جامع البيان في تفسير القرآن ٣: ٣٥، ٣٦).
(٨) البيت في اللسان: مادة: زنم، نسبة إلى المعلى بن حمّال العبدي، وفي الطبري ٣: ٣٦ نفس النسبة، ولكن «حماد بالدال لا باللام أي: حماد. ورواية اللسان والطبري تختلف عن رواية ابن خالويه، ففيهما ذكر البيت على هذه الصورة:
وجاءت خلعة دهس صفايا يصوع عنوقها أحوى زنيم
يفرّق بينها صدع رباع له ظاب كما صخب الغريم
وفي رواية الطبري: يصور، وكذلك في الصّحاح للجوهري. وعنوق: جمع عناق، وهو: الأنثى من ولد المعز، الزنيم: التيس الذي له زنمتان في حلقه. الظأب: الصوت.
(٩) قال الطبري: وقرأ جماعة من أهل الكوفة «فصرهن»
بالكسر بمعنى قطّعهن (جامع البيان ٣: ٣٦).


الصفحة التالية
Icon