فمن قرأ بالتاء جعل الخطاب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان (الذين) في موضع نصب بالحسبان وهو المفعول الأول «١»، وما بعده في موضع المفعول الثاني.
ومن قرأ بالياء جعل (الذين) في موضع رفع بفعلهم. وما بعدهم مفعول لهم.
فأمّا قوله: تَحْسَبَنَّهُمْ «٢» بالياء فمعناه: فلا يحسبن أنفسهم. وإنما يجوز الإخبار بالكناية عن النفس في أفعال الشك، لأنها ليست بأفعال حقيقية. فأما قولك: ضرب زيد نفسه فلا يجوز فيه (ضربها)، لأن الفاعل بالكلية لا يكون مفعولا بالكلية. وإنما جاء ذلك عن العرب (في حسبتني)، و (خلتني)، و (رأيتني) ومنه قوله: أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى «٣» والمفازة «٤» هاهنا: البعد، والفوز، والظّفر.
فإن قيل: فإذا كانت أفعال الظن لا بد لها من مفعولين فأين هما في قوله: أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ على قراءة من قرأ بالياء؟ فقل: لما كانت (حسب) «٥» لا بد لها من اسمين، أو ما قام مقامهما، وكان الظن كذلك ناب شيئان «٦» عن شيئين «٧».
قوله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ «٨». يقرأ بإدغام الدّال في السين وإظهارها. وكان الكسائي يقول: إدغامها أكثر وأفصح وأشهر، وإظهارها لكنة ولحن. وقد ذكرت العلة في الإدغام والإظهار آنفا «٩».
قوله تعالى: سَنَكْتُبُ ما قالُوا «١٠». يقرأ بالنون مفتوحة، وبالياء مضمومة.
فمن قرأ بالنون جعله إخبارا من الله تعالى عن نفسه، وهو الفاعل لذلك و (ما) في موضع نصب بتعدّي الفعل إليها، وهي وصلتها بمعنى المصدر. «وقتلهم» عطف عليه.
ومن قرأ بالياء جعله فعل ما لم يسم فاعله، فيكون حينئذ «ما» وما عطف عليها في موضع رفع.

(١) هي قراءة حمزة انظر: (القرطبي ٤: ٢٨٧).
(٢) آل عمران: ١٨٨.
(٣) العلق: ٧.
(٤) في قوله تعالى: بِمَفازَةٍ آية: ٨٨.
(٥) زيادة يتطلبها الأسلوب.
(٦) أي أنّ وما عملت فيه.
(٧) وهما المفعولان.
(٨) آل عمران: ١٨١.
(٩) انظر: ٦٣. ٧٧، وغيرهما.
(١٠) آل عمران: ١٨١.


الصفحة التالية
Icon