(إلّا أن قالوا) الاسم، وهو الوجه، لأن الفتنة قد تكون نكرة فهي بالخبر أولى. وقوله (إلّا أن قالوا) لا يكون إلّا معرفة. ومن شرط كان وأخواتها إذا اجتمع فيهن معرفة ونكرة كانت المعرفة أولى بالاسم، والنكرة أولى بالخبر إلا في ضرورة شاعر، ولذلك أجمع القرّاء على قوله: فَما كانَ جَوابَ «١» قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا «٢»، وكانت الياء أولى لأن الفعل للقول لا للفتنة.
فأمّا من قرأ بالتاء والنصب فالحجة له: أن القول فتنة، والفتنة قول، فجاز أن يحلّ أحدهما محلّ الآخر. وأيضا، فإن هذا المصدر قد يمكن أن يؤنث على معنى:
(المقالة) ويذكر على معنى: (القول).
قوله تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ «٣». يقرأ بالنون والياء. فالحجة لمن قرأ بالنون: أنه جعله من إخبار الله تعالى عن نفسه تعظيما وتخصيصا. والحجة لمن قرأه بالياء: أنه أراد:
يا محمد، ويوم يحشرهم الله.
قوله تعالى: وَاللَّهِ رَبِّنا «٤» يقرأ بخفض الباء ونصبها. فالحجة لمن قرأه بالخفض:
أنه جعله تابعا لاسم الله تعالى، لئلا يذهب الوهم إلى أنه غيره إذ قد غيّر عن إعرابه.
والحجة لمن نصب: أنه جعله منادى مضافا يريد: يا ربنا: ما كنا مشركين، لأن الله تعالى قد تقدم ذكره، فنادوه بعد ذلك مستغيثين به.
قوله تعالى: وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ «٥». يقرءان بالرفع والنصب. فالحجة لمن قرأ بالنصب: أنه جعله جوابا للتمني «٦» بالواو، لأن الواو في الجواب كالفاء كقول الشاعر «٧»:
(٢) النمل: ٥٦.
(٣) الأنعام: ٢٢.
(٤) الأنعام: ٢٣.
(٥) الأنعام: ٢٧.
(٦) في قوله تعالى في الآية نفسها يا لَيْتَنا نُرَدُّ.
(٧) البيت وجد في قصائد عديدة ومن هنا قال البغدادي «اختلف في قائله، فنسبه الإمام أبو عبد الله القاسم بن سلام في أمثاله إلى المتوكل الكناني، والمتوكل من شعراء الإسلام وهو من أهل الكوفة. ونسبه إليه أيضا الآمدي في «المؤتلف والمختلف» ونسبه إليه أيضا أبو الفرج الأصبهاني في «الأغاني» ونسبه الحاتمي لسابق البربري. ونقل السيوطي عن تاريخ ابن عساكر أنه للطرماح.
والمشهور أنه من قصيدة لأبي الأسود الدولي: أولها:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه | فالقوم أعداء له وخصوم |