ومن اختلس أراد التخفيف، فاجتزأ بالضمة من الواو.
وأمّا من ترك الهمز، وكسر الهاء، فإنه أسقط الياء علامة للجزم، وكسر الهاء لانكسار ما قبلها، ووصلها بياء لبيان الحركة. وأمّا من أسكن الهاء فله وجهان: أحدهما: أنه توهم أنّ الهاء آخر الكلمة فأسكنها دلالة على الأمر، أو تخفيفا لمّا طالت الكلمة بالهاء «١».
وروى هشام «٢» بن عمار عن ابن عامر «٣»: أرجئه بالهمز، وكسر الهاء. وهو عند النحويين غلط، لأن الكسر لا يجوز في الهاء إذا سكن ما قبلها كقوله: وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي «٤» وله وجه في العربية، وذلك أنّ الهمزة لما سكنت للأمر، والهاء بعدها ساكنة على لغة من يسكن الهاء، كسرها لالتقاء الساكنين.
قوله تعالى: بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ «٥». يقرأ بإثبات الألف والتخفيف، وبطرحها والتشديد «٦» في كلّ القرآن إلّا في الشُّعَراءُ «٧» فإنه بالتشديد إجماع. فالحجة لمن شدّد: أنه
أراد تكرير الفعل والإبلاغ في العمل، والدلالة على أن ذلك ثابت لهم فيما مضى من الزمان، كقولهم: هو دخّال خرّاج إذا كثر ذلك منه وعرف به. والحجة لمن أثبت الألف، وخفف أنه جعله اسما للفاعل مأخوذا من الفعل.

(١) قال الفراء: هي لغة العرب يقفون على الهاء المكنّى عنها في الوصل إذا تحرك ما قبلها، وأنشد:
فيصلح اليوم... ويفسده غدا
قال: وكذلك يفعلون بهاء التأنيث فيقولون: هذه طلحة قد أقبلت، وأنشد:
لما رأى أن لا دعه ولا شبع
قال الواحدي: ولا وجه لهذا عند البصريين في القياس.
وقال الزجاج: هذا شعر لا نعرف قائله، ولو قاله شاعر مذكور لقيل له: أخطأت انظر: مفاتيح الغيب للرازي ٤: ٢٦٨).
(٢) هشام بن عمّار بن نصير بن ميسرة أبو الوليد السلمي، وقيل: الظفري الدمشقي إمام أهل دمشق وخطيبهم ومقرئهم...
ولد سنة ثلاث وخمسين ومائة.
قال ابن الجزري: وكان هشام مشهورا بالنقل والفصاحة، والعلم والرواية والدراية، رزق كبر السن، وصحة العقل والرأي فارتحل الناس إليه في القراءات والحديث. مات سنة خمس وأربعين ومائتين، وقيل سنة أربع وأربعين.
(غاية النهاية ٢: ٣٥٥، ٣٥٦).
(٣) تقدمت ترجمته: ٣٧.
(٤) طه: ٣٢
(٥) الأعراف: ١١٢
(٦) أي وزيادة ألف بعدها، وهي قراءة الأخوين (حمزة والكسائي).
(البحر المحيط ٤: ٣٦٠).
(٧) الشعراء: ٣٧.


الصفحة التالية
Icon