فأراد: يهتدى، ثم نقل فتحة التاء إلى الهاء، فبقيت التاء ساكنة فأدغمها في الدال للمقاربة فشدّد لذلك. والحجة لمن كسر الهاء والياء قبلها، وشدّد أنه أراد: ما ذكرناه في التاء إلّا أنه لم ينقل الحركة بل حذفها، وأسكن التاء فالتقى ساكنان فكسر الهاء لالتقائهما، وكسر الياء لمجاورة الهاء. والحجة لمن أسكن الهاء وشدد الدال فجمع بين ساكنين: أنه أراد نيّة الحركة في الهاء. ومثل هذا إنما يحسن فيما كان أحد الساكنين حرف مدّ أولين، لأن المدّ الذي فيه يقوم مقام الحركة.
فأما ما رواه (اليزيدي) عن أبي عمرو: أنه كان يسكن الهاء ويشمّها شيئا من الفتح، فإنه وهم في الترجمة، لأن السكون ضد الحركة، ولا يجتمع الشيء وضده، ولكنه من
إخفاء الفتحة، واختلاسها لا من الإسكان.
قوله تعالى: هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ «١». يقرأ بالياء والتاء. فالحجة لمن قرأه بالياء:
أنه ردّه على قوله: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا «٢» فجاء بالياء على وجه واحد. والحجة لمن قرأه بالتاء: أنه أراد بها: مواجهة الخطاب للصحابة.
واحتجّ بأنه قد قرئ (فلتفرحوا) بالتاء، وهو ضعيف في العربية، لأن العرب لم تستعمل الأمر باللام للحاضر إلّا فيما لم يسمّ فاعله كقولهم: لتعن بحاجتي. ومعنى:
(فبذلك) إشارة إلى القرآن لقوله: قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ، وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ «٣» يعني به: القرآن لقوله: هو خير ممّا يجمع الكفرة.
قوله تعالى: وَما يَعْزُبُ «٤». يقرأ بضم الزاي وكسرها ومعنى يعزب: يبعد ويغيب.
ومنه قولهم: المال عازب في المرعى. وقد تقدّم القوم في الضمّ والكسر، فأغنى عن الإعادة «٥».
قوله تعالى: وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ «٦». يقرءان بالنصب، والرفع. فالحجة لمن نصبهما: أنهما في موضع خفض بالرّدّ على قوله: وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ. ولم يخفضا، لأنهما على وزن (أفعل) منك. وما كان على هذا الوزن لم ينصرف في معرفة
(٢) الآية نفسها.
(٣) يونس: ٥٧
(٤) يونس: ٦١.
(٥) انظر: ١٦٢ عند قوله تعالى: وَما كانُوا يَعْرِشُونَ.
(٦) يونس: ٦١