قوله تعالى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ «١». يقرأ بإثبات الألف بعد الغين، وبطرحها وبتشديد النون في الوجهين. فالحجة لمن أثبت الألف: أنه جعلها ضميرا للوالدين، وكناية عنهما لتقدّمهما، وأسقط النون التي هي علامة الإعراب لدخول حرف الشرط وأتى بنون التأكيد الشديدة، وبني الفعل معها، لأنها مانعة من الإعراب، وكسرت تشبيها بنون الاثنين. والحجة لمن طرح الألف: أنه صاغ الفعل لقوله: (أحدهما) ونصب الكبر بتعدّى الفعل إليه، وأتى بالنون الشديدة لدخول «إمّا» على الفعل لأنها قلّما تدخل على فعل إلا أتى فيه بالنون الشديدة للتأكيد.
فإن قيل: فإذا رفعت (أحدهما) هاهنا بفعله فبم ترفعه مع الألف؟ فقل في ذلك غير وجه. أحدها: أنه يرتفع بدلا من الألف التي في الفعل. والثاني: أنه يرتفع بتجديد فعل مضمر، ينوب عنه الظاهر. والثالث: أنه يرتفع على إعادة سؤال وإجابة، كأنه قيل: من يبلغ الكبر؟ فقل: أحدهما أو كلاهما. وعلى هذا الوجه يحمل قوله تعالى:
وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا «٢».
فإن قيل: فلم خصّا بالبرّ عند الكبر؟ فقل إنما خصّا بذلك، وإن كان لهما واجبا في سائر الأوقات، لأنهما عند الكبر يثقل عليهما الاضطراب والخدمة، فخصّا بالبر فيه لذلك. وتقول العرب: (فلان أبرّ بوالديه من النّسر) لأن أباه إذا كبر، ولم ينهض للطيران لزم وكره وعاد الفرخ عليه فزقّه، «٣» كما كان أبوه يفعل به.
قوله تعالى: كانَ خِطْأً «٤». يقرأ بكسر الخاء وإسكان الطاء والقصر، وبفتحهما والقصر، وبكسر الخاء وفتح الطاء والمدّ. فالحجة لمن كسر وأسكن وقصر: أنه جعله مصدرا لقولهم: خطئت خطأ. ومعناه: أثمت إثما. والحجة لمن فتحهما وقصر: أنه أراد الخطأ الذي هو ضدّ العمد. ودليله قوله تعالى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً «٥». وقال بعض أهل اللغة: هما لغتان بمعنى، كما قالوا قتب وقتب، وبدل وبدل.
(٢) الأنبياء: ٣.
(٣) الزّق: إطعام الطائر فرخه.
(٤) الإسراء: ٣١.
(٥) النساء: ٩٢.