قوله تعالى: وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ «١». يقرأ بالياء وفتح الزاي. وبالنون وكسر الزاي. فالحجة لمن قرأه بالياء والفتح: أنه جعله فعل ما لم يسم فاعله فرفع لذلك الكفور.
والحجة لمن قرأه بالنون: أنه جعل الفعل لله عز وجل وعدّاه إلى (الكفور) فنصبه به «٢».
و (هل) يجيء في الكلام على أربعة أوجه: يكون جحدا كقوله: (وهل يجازى إلا الكفور). ودليل ذلك مجيء التحقيق بعدها. وتكون استفهاما كقوله: هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ «٣». ويكون أمرا كقوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ «٤». ويكون بمعنى «قد» كقوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ «٥».
قوله تعالى: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا «٦». يقرأ بتشديد العين وكسرها من غير ألف، وبالتخفيف وإثبات الألف بين الباء والعين. فالحجة لمن شدّد: أنه أراد: التكرير يعني بعد بعد وهو ضد: القرب. والحجة لمن أدخل الألف وخفف: أنه استجفى أن يأتي بالعين مشددة فأدخل الألف، وخفف، كقوله تعالى: عَقَّدْتُمُ «٧» و (عاقدتم).
وقد ذكرت علله هناك بأبين من هذا، وهما في حال التشديد والتخفيف عند الكوفيين مجزومان بلام مقدرة، حذفت مع حرف المضارعة. وعند البصريين مبنيا على معنى الطّلب بلفظ الأمر على ما وجب للفعل في الأصل.
قوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ «٨». يقرأ بتشديد الدّال وتخفيفها. ومعناهما قريب وذلك أن إبليس لعنه الله قال: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ «٩» ظانا لذلك،

(١) سبأ: ١٧.
(٢) قال ابن قتيبة في معرض وجوه الخلاف في القراءات: إنه قد يكون الاختلاف في إعراب الكلمة أو في حركة بنائها بما لا يزيلها عن صورتها في الكتاب ولا يغير معناها نحو قوله تعالى: وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ وهل يجازي إلّا الكفور. انظر: (تأويل مشكل القرآن ٢٨، ٢٩).
(٣) الشعراء: ٧٢
(٤) المائدة: ٩١
(٥) الإنسان: ١
(٦) سبأ: ١٩.
(٧) المائدة ٨٩.
(٨) سبأ: ٢٠.
(٩) النساء: ١١٩.


الصفحة التالية
Icon