ولكن الناقد لم يقتنع بهذا أيضا فيقول: «إن هذه المشابهة أو المقارنة بين النصوص لا تفيد شيئا في الواقع، ومجرّد إلقاء الباحث نظرة في كتاب الحجّة لأبي علي الفارسيّ المعترف به من الجميع مع مراجعة ما قاله النحويون، والقراء والمفسرون والمعاصرون، للفارسي ولابن خالويه يجد أنّ جميع تلك النصوص متشابهة ومتقاربة في المعنى حتى وفي اللفظ في بعض الأحيان، ومع ذلك التشابه، والتقارب لا يمكن أن نستدلّ بذلك على إثبات نسبة كتاب معيّن لشخص معيّن بمجرّد التشابه والتقارب».
أقول:
كنت أودّ من الزّميل الفاضل أن يذكر لي، ولو نصا واحدا من هذا التشابه والتقارب المعنويّ أو اللفظي كما ذكر.
يا سيدي... لقد علمتنا كتب التراث أمانة النقل فإذا رجع مفسّر من المفسرين أو النحويين أو القراء إلى حجة أبي عليّ مثلا، فإنه لا ينقل نصوصا متقاربة المعنى أو متشابهة اللفظ إلا بعد أن يذكر قوله: (وقال الفارسيّ في الحجة) أما أن يعتدي على المعاني، ويكسوها ألفاظا من عنده فهذه سرقة لا تليق بعالم يعتدّ بقوله. ومن وقع فيها شهّر به، وسخر منه، والروايات على ذلك عديدة. والمعاني يا سيدي ليست مطروحة على الطريق، وإنما هي نتيجة كدّ الذهن، وإعمال الفكر، وبذل الطاقة، والاطّلاع الواسع والإلهام المبدع. كيف تتقارب المعاني، ولكل مفسر منهجه وطريقته ولكل كتاب من كتب القراءات في الاحتجاج وغيره أسلوبها الخاصّ، وطريقتها الخاصة؟ نعم إن النقول قد تعدّدت في كتب التراث، ولكنها نقول لها مصادر معروفة، وأشخاص معروفون صدرت عنهم، ونقلت منهم، ولا يصحّ التصرف فيها بالتغيير أو التبديل. وما عدا ذلك ففردية في الطّريقة، وفي المنهج وفي الأسلوب، وإلا كان تكرارا أو سطوا وكلاهما لا يليق بأولي العلم والمعرفة، هذا في مجال المعاني فما بالك في مجال تشابه اللّفظ. أظنّ أنّ توافق الخواطر قد يحدث في جملة أو كلمة أمّا أن يحدث في نصّ تتعدّد سطوره فذلك أمر لا يقبله المنطق. وقد ذكرت يا سيدي تشابه أسلوب ابن خالويه في كتاب الحجّة بأساليبه في كتبه الأخرى، لأن المؤلف واحد، والعقل واحد، والأسلوب واحد، وطريقة التفكير واحدة. وقد بيّنت أنّ في الحجة من كتاب «إعراب ثلاثين سورة» نصوصا بألفاظها ومعانيها، وأن في الحجة من كتاب «الريح» نصوصا بألفاظها ومعانيها، وقد سجلت ذلك في بحثي المنشور في مجلة اللسان العربي» نفس العدد الذي ذكر فيه نقد الأستاذ الفاضل. ألا يكفي هذا دليلا واضحا على أنّ الحجة لابن خالويه لا لغيره.