ساحر، وأنك مجنون، فأضمر حرف الجر لأن كذّب بالتشديد يتعدى بلفظه، وكذب بالتخفيف لا يتعدّى إلا بحرف جر. ومعنى القراءتين قريب، لأن من كذّب بما جاء به النبي ﷺ فقد كذب.
قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ «١». يقرأ وما شاكله من الأفعال بالكسر، وبإشمام «٢» أوله الضمّ. فالحجة لمن كسر أوله: أنه استثقل الكسر على الواو التي كانت عين الفعل في الأصل، فنقلها إلى فاء الفعل بعد أن أزال حركة الفاء، فانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها كما قالوا: ميزان وميعاد. ومن ضمّ فالحجة له: أنه بقّى «٣» على فعل ما لم يسمّ فاعله دليلا في الضم، لئلا يزول بناؤه. وقد قرأ بعض القراء ذلك بكسر بعض، وضمّ بعض فالحجة له في ذلك: ما قدّمناه من إتيانه باللغتين معا.
قوله تعالى: السُّفَهاءُ أَلا «٤». يقرأ بتحقيق الهمزتين، وتحقيق «٥» الأولى وتخفيف الثانية تليينا. فالحجة لمن حقّق إتيانا باللفظ على واجبه ووفّاه حقه. والحجة لمن حقق الأولى، ولين الثانية: إنه نحا «٦» التخفيف، وأزال عن نفسه لغة الثقل. فهذا معنى القراءة في الهمزتين المختلفتين.
فأمّا المتفقتان «٧» فهم فيهما مختلفون: فمنهم من يحوّل الأولى «٨» في المكسورة ياء، والمضمومة «٩» واوا، ويترك الأولى في المفتوحة «١٠» ويحقّق الثانية «١١». ومنهم من يحقق الهمزتين معا. فالحجة لهم في ذلك: أن العرب تتسع في الهمزة ما لا تتسع في غيره فتحقق، وتلين

(١) البقرة: ١١.
(٢) قراءة الكسائي، وهشام: (هشام بن عمار بن نصير بن قيسرة السلمي القاضي الدمشقي، وتوفي بها ٢٤٥ هـ ويكني:
أبا الوليد. (التيسير: ٦،: ٧٢).
(٣) بقّى وأبقى (القاموس).
(٤) البقرة: ١٣.
(٥) الحرميّان، والبصري وهو: (أبو عمرو بن العلاء) يبدلون الثانية واوا خالصة، ويحققون الأولى. (غيث النفع:
٢٧).
(٦) نحا: النحو: القصد والطريق، يقال: نحا نحوه أي قصد قصده.
(٧) المتفقتان في الحركة.
(٨) كقوله تعالى: هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ البقرة: ٣١، وقوله تعالى: عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ النّور: ٣٣.
(٩) وذلك في موضع واحد في سورة الأحقاف: أَوْلِياءُ أُولئِكَ. آية ٣٢.
(١٠) مثل قوله تعالى: جاءَ أَجَلُهُمْ يونس: ٤٩. شاءَ أَنْشَرَهُ عبس: ٢٢.
(١١) قراءة أبي عمرو حيث يسقط الهمزة الأولى، ويحقق الثانية (النشر ١: ٣٣٧).


الصفحة التالية
Icon