قوله تعالى: وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ «١». يقرأ بإمالة (الكافرين) وبتفخيمها في موضع النصب والجر. فالحجة لمن أمال: أنه لما اجتمع في الكلمة أربع كسرات، كسرة الفاء والراء والياء، والراء يقوم مقام كسرتين جذبن الألف لسكونها بقوّتهن فأملنها فإن قيل: فيلزم على هذا الأصل أن يميل الشَّاكِرِينَ «٢» و «الجبّارين» «٣»، فقل: لا يلزمه ذلك لثلاث علل: إحداهن: الإدغام الذي فيهما وهو فرع، والإمالة فرع، ولا يجمع بين فرعين في اسم. والأخرى: أن هذين الاسمين قليلا الدّور في القرآن، ولم يكثرا ككثرة «الكافرين» فترك إمالتهما. والثالثة: أنّ الشين والجيم والياء يخرجن من وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك، فلما كانتا مجاورتين للياء كرهوا الإمالة فيهما كما كرهوا في الياء.
قوله تعالى: فَأَحْياكُمْ «٤». يقرأ بالإمالة والتفخيم على ما قدّمنا القول في ذلك، وإنما ذكرت هذا الحرف، لأن، (حمزة) يميل أمثاله إذا كانت قبله الواو، ولا يميله مع الفاء. والحجّة له في ذلك: أنه فرّق بين المتصل «٥» والمنفصل لخفة أحدهما وثقل الآخر.
وعلّته في ذلك: أن الثقل واقع في اللفظ لا في الحظ، واللفظ بهذين «٦» الحرفين واحد، فمن استعمل وجها مع أحدهما لزمه استعماله مع الآخر أيضا.
قوله تعالى: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ «٧». يقرأ بإسكان الهاء «٨» مع الواو والفاء وثمّ واللام، وبحركتها بالضم. فالحجة لمن أسكن: أنه لما اتصلت هذه الهاء بهذه الحروف أسكنت تخفيفا كما أسكنت لام الأمر في قوله تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا «٩». والحجة لمن ضم: أنه أتى بلفظ الاسم على أصله قبل دخوله هذه الحروف عليه.

(١) البقرة: ١٩
(٢) آل عمران: ١٤٤.
(٣) المائدة: ٢٢
(٤) البقرة: ٢٨
(٥) أي: اتصال الفاء بالفعل.
(٦) من تعليق ابن خالويه على (حمزة)
(٧) البقرة: ٢٩.
(٨) أبو عمرو والكسائي يسكنان الهاء من «هو، وهي» إذا كان قبلها واو أو فاء أو لام، والكسائي يسكن الهاء منهما مع «ثمّ» (التيسير: ٧٢).
(٩) النور: ٢٢.


الصفحة التالية
Icon