بغافل عما يعمل كل أحد اعتدلت التاء والياء فيهما. والحجة لمن قرأ بالياء: أن العرب ترجع من المخاطبة إلى الغيبة كقوله تعالى: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ «١»، ولم يقل: بكم.
والياء، والتاء، في الثالث قريبتان، والاختيار الياء لقوله: مِنْ رَبِّهِمْ والياء والتاء في الرابع متساويتان لأنه لم يتقدّم في قوله: وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ما تكون إحداهما أولى بالردّ عليه إلا أن يجعل قوله: (من ربّك) إفرادا للنبي عليه السلام بالخطاب، والمعنى له ولأمته، فيكون الاختيار على هذا الوجه التاء كما قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ «٢».
قوله تعالى: وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ «٣» يقرأ بالتوحيد والجمع. فلمن أفراد حجتان:
إحداهما: أنّ الخطيئة هاهنا يعني بها: الشرك. والأخرى: أنّه عطف لفظ «الخطيئة» على لفظ «السيئة» قبلها، لأن الخطيئة سيئة، والسيئة خطيئة. والحجة لمن جمع: أن السيئة والخطيئة وإن انفردتا لفظا فمعناهما الجمع ودليله على ذلك أن الإحاطة لا تكون لشيء مفرد، وإنما تكون لجمع «أشياء».
فأمّا قوله: أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها «٤» فإنه وإن كان واحدا فهو جمع للشيء المحيط بجميع أجزاء المحاط به. ويمكن أن يكون أراد بالجمع هاهنا: وأحاطت به عقوبات خطيئته. والدّليل على ذلك قول (قتادة): «٥» السيئة: الشرك، والخطيئة: الكبائر.
قوله تعالى: لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ «٦». يقرأ بالياء والتاء. فالحجّة لمن قرأ بالتاء: مواجهة الخطاب فيكون أخذ الميثاق قولا لهم. والحجة لمن قرأ بالياء: معنى الغيبة.
قوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً «٧». يقرأ بضم الحاء وإسكان السين، وبفتح الحاء

(١) يونس: ٢٢.
(٢) الطلاق: ١.
(٣) البقرة: ٨١.
(٤) الكهف: ٢٩.
(٥) قتادة: هو قتادة بن النعمان بن زيد، صحابيّ، شهد العقبة مع السبعين، وكان من الرّماة المذكورين، وشهد بدرا وأحدا وتوفي سنة ثلاث وعشرين وهو ابن خمس وستين سنة، وصلى عليه عمر. انظر: «صفة الصفوة»: ١٨٣، ١٨٤، «أسد الغابة» ٤/ ١٩٥. هذا ومن الممكن أن يكون المراد: قتادة بن دعامة السدوسي، حافظ ثقة ثبت، احتج به أصحاب الصحاح. مات كهلا (ميزان الاعتدال في نقد الرجال: ٣/ ٣٨٥).
(٦) البقرة: ٨٣.
(٧) البقرة: ٨٣.


الصفحة التالية
Icon