النبي، - ﷺ -، كلهم يخاف النفاق على نفسه، وأصل مداخله على الخلق من إيثار حرمة الخلق على حرمة الحق، جهلا بالله، واعتزارا بالناس، فيلتزم لذلك محاسنة أولي البر والصدق ظاهرا، وتكرمهم بقلبه باطنا، وتتبع ذلك من الذبذبة بين الحالين ما وصفه الله، سبحانه، من أحوالهم، وما نبه النبي، - ﷺ -، عليه من علاماتهم، حتى قال: "بيننا وبين المنافقين شهود العتمة والصبح لا يستطيعونهما" كما قال تعالى: ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾. ينظر المنافق إلى ما يستسقط به فضائل أهل الفضل، ويتعامى عن محاسنهم، كما روى أن الله يبغض التارك لحسنة المؤمن الآخر لسيئته. والمؤمن الصادق يتغافل عن مساوئ أهل المساوئ، فكيف بمعايب أهل المحاسن. ومن أظهر علامات المنافق تبرمه بأعمال الصادق، كما ذكر، ما كان مؤمن فيما مضى، ولا مؤمن فيما بقي، إلا وإلى جنبه منافق يكره عمله، وعن ذلك المنافق غماز لماز، بخيل جبان، مرتاع مستثقل في مجامع الخير، أجنبي منها، مستخف في مواطن الشر متقدم فيها، طلق اللسان بالغيبة والبهتان، ثقيل اللسان عن مداومة ذكر الله، عم عن الله في كل حال، ناظر إلى الناس بكل وجه، وهو مع ذلك يصانعهم ولا يصادقهم، ياخذ من الدين ما ينفع في الدنيا، ولا ياخذ ما ينفع في العقبى، ويجتنب في الدين ما يضر في الدنيا، ولا يجتنب ما يضر في العقبى مما يضر في الدنيا.


الصفحة التالية
Icon