بساطا قد فرش له وخيمة قد ضربت عليه، وعولج له طعام وشراب قدم له، أن نفسه تنبعث بذاتها لتعظيم من فعل ذلك بها، ولتقلد نعمته وإكباره، فلتنزيل هذه الدعوة إلى هذا البيان الذي يضطر النفس إلى الإذعان، ويدخل العلم بمقتضاها في رتبة الضرورة والوجدان، كانت هذه الدعوة دعوة عربية جارية على مقتضى أحوال العرب، لأن العرب لاتعدو بأنفسها العلم الضروري، وليس من شأنها تكلف الأفكار والتسبب إلى تواني العلوم النظرية المأخوذة من مقتضى الأمارات والأدلة، فعوملت بما جبلت عليه، فتنزل لها لتكون نقلتها من فطرة إلى فطرة، ومن علم وجداني إلى علم وجداني علي، لتحفظ عليها رتبة الإعراب والبيان بأن لا يتسبب لها إلى دخول ريب في علومها، لأن كل علم مكتسب يتكلف التسبب له بآيات وعلامات ودلائل تبعد من الحس، وأوائل هجوم العقل تتعارض عليه الأدلة، ويعتاده الريب، فحفظت هذه الدعوة العربية عن التكلف، وأجريت على ما أحكمه صدر السورة في قوله تعالى: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾.
واعلم أن حال المخلوق في رزقه محاذي به حاله في كونه، فيعلم بالاعتبار والتناسب، الذي شأنه أن تتعلم من جهته المجهولات، أن الماء بزر كون الإنسان، كما أن الماء أصل رزقه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام، لمن سأله: ممن هو؟ فلم يرد أن يعين له نفسه: نحن من ماء. ويعلم كذلك أيضا أن للأرض والسماء مدخلا في أمشاج الإنسان رتب عليه مدخلها في كون رزقه، وفي ذكر الأرض


الصفحة التالية
Icon