أعوذ بالله معاذًا (إِنَّهُ)، أي: الشأن، (ربي): سيدي الذي اشتراني، (أَحْسَن مَثْوَايَ): أكرمني فلا أخونه وقيل إن الله ربى أحسن منزلتي فلا أعصيه (١)، (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ): المجازون الحسن بالسيئ أو لا يسعد الزناة، (وَلَقَدْ هَمَّتْ به): قصدت مخالطته، (وَهَمَّ بِهَا): قصد مخالطتها لميل الطبع والشهوة الغير الاختياري (٢)، (لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) جوابه محذوف أي لخالطها وما ذكره أكثر السلف هو أن رأى صورة أبيه عاضًّا على أصبعه يعظه، (كَذَلِكَ): مثل
(١) هذا هو الراجح عند المحققين. والله أعلم.
(٢) قال الإمام فخر الدين الرازي ما نصه:
اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنَ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي يَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِالْبَحْثِ عَنْهَا وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَلْ صَدَرَ عَنْهُ ذَنْبٌ أَمْ لَا؟ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَمَّ بِالْفَاحِشَةِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي كِتَابِ «الْبَسِيطِ» قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الْمَوْثُوقُ بِعِلْمِهِمُ الْمَرْجُوعُ إِلَى رِوَايَتِهِمْ هَمَّ يُوسُفُ أَيْضًا بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ هَمًّا صَحِيحًا وَجَلَسَ مِنْهَا مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِنَ الْمَرْأَةِ، فَلَمَّا رَأَى الْبُرْهَانَ مِنْ رَبِّهِ زَالَتْ كُلُّ شَهْوَةٍ عَنْهُ.
قَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ رَضِيَ الله عَنْهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: طَمِعَتْ فِيهِ وَطَمِعَ فِيهَا فَكَانَ طَمَعُهُ فِيهَا أَنَّهُ هَمَّ أَنْ يَحِلَّ التِّكَّةَ،
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ:
حَلَّ الْهِمْيَانَ وَجَلَسَ مِنْهَا مَجْلِسَ الْخَائِنِ وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهَا اسْتَلْقَتْ لَهُ وَجَلَسَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا يَنْزِعُ ثِيَابَهُ، ثُمَّ إِنَّ الْوَاحِدِيَّ طَوَّلَ فِي كَلِمَاتٍ عَدِيمَةِ الْفَائِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمَا ذَكَرَ آيَةً يَحْتَجُّ بِهَا وَلَا حَدِيثًا صَحِيحًا يُعَوِّلُ عَلَيْهِ فِي تَصْحِيحِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَمَا أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي تِلْكَ الْكَلِمَاتِ الْعَارِيَةِ عَنِ الْفَائِدَةِ
رُوِيَ أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا قَالَ: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [يُوسُفَ: ٥٢] قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَا حِينَ هَمَمْتَ يَا يُوسُفُ فَقَالَ يُوسُفُ عِنْدَ ذَلِكَ: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي [يُوسُفَ: ٥٣]
ثُمَّ قَالَ وَالَّذِينَ أَثْبَتُوا هَذَا الْعَمَلَ لِيُوسُفَ كَانُوا أَعْرَفَ بِحُقُوقِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَارْتِفَاعِ مَنَازِلِهِمْ عِنْدَ الله تَعَالَى مِنَ الَّذِينَ نَفَوُا الْهَمَّ عَنْهُ، فَهَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِهِ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ بَرِيئًا عَنِ الْعَمَلِ الْبَاطِلِ، وَالْهَمِّ الْمُحَرَّمِ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ، وَبِهِ نَقُولُ وَعَنْهُ نَذُبُّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى وُجُوبِ عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كَثِيرَةٌ، وَلَقَدِ اسْتَقْصَيْنَاهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قِصَّةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَا نُعِيدُهَا إِلَّا أَنَّا نَزِيدُ هاهنا وُجُوهًا:
فَالْحُجَّةُ الْأُولَى: أَنَّ الزِّنَا مِنْ مُنْكَرَاتِ الْكَبَائِرِ وَالْخِيَانَةَ فِي مَعْرِضِ الْأَمَانَةِ أَيْضًا مِنْ مُنْكَرَاتِ الذُّنُوبِ، وَأَيْضًا مُقَابَلَةُ الْإِحْسَانِ الْعَظِيمِ بِالْإِسَاءَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْفَضِيحَةِ التَّامَّةِ وَالْعَارِ الشَّدِيدِ أَيْضًا مِنْ مُنْكَرَاتِ الذُّنُوبِ، وَأَيْضًا الصَّبِيُّ إِذَا تَرَبَّى فِي حجر إنسان وبقي مكفي المؤنة مصون الغرض مِنْ أَوَّلِ صِبَاهُ إِلَى زَمَانِ شَبَابِهِ وَكَمَالِ قُوَّتِهِ فَإِقْدَامُ هَذَا الصَّبِيِّ عَلَى إِيصَالِ أَقْبَحِ أَنْوَاعِ الْإِسَاءَةِ إِلَى ذَلِكَ الْمُنْعِمِ الْمُعَظَّمِ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَعْمَالِ.
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَعْصِيَةَ الَّتِي نَسَبُوهَا إِلَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَتْ مَوْصُوفَةً بِجَمِيعِ هَذِهِ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ لَوْ نُسِبَتْ إِلَى أَفْسَقِ خَلْقِ الله تَعَالَى وَأَبْعَدِهِمْ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ لَاسْتُنْكِفَ مِنْهُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ إِسْنَادُهَا إِلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ! الْمُؤَيَّدُ بِالْمُعْجِزَاتِ الْقَاهِرَةِ الْبَاهِرَةِ. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الواقعة: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ [يوسف: ٢٤] وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَاهِيَّةَ السُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ مَصْرُوفَةٌ عَنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ الَّتِي نسبوها إليه أعظم أنواع/ وَأَفْحَشُ أَقْسَامِ الْفَحْشَاءِ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَشْهَدَ فِي عَيْنِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ بِكَوْنِهِ بَرِيئًا مِنَ السُّوءِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَى بِأَعْظَمِ أَنْوَاعِ السُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ. وَأَيْضًا فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى قَوْلِنَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ هَبْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ عَنْهُ، إِلَّا أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهَا تُفِيدُ الْمَدْحَ الْعَظِيمَ وَالثَّنَاءَ الْبَالِغَ، فَلَا يَلِيقُ بِحِكْمَةِ الله تَعَالَى أَنْ يَحْكِيَ عَنْ إِنْسَانٍ إِقْدَامَهُ عَلَى مَعْصِيَةٍ عَظِيمَةٍ ثُمَّ إِنَّهُ يَمْدَحُهُ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِأَعْظَمِ الْمَدَائِحِ وَالْأَثْنِيَةِ عَقِيبَ أَنْ حَكَى عَنْهُ ذَلِكَ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ، فَإِنَّ مِثَالَهُ مَا إِذَا حَكَى السُّلْطَانُ عَنْ بَعْضِ عَبِيدِهِ أَقْبَحَ الذُّنُوبِ وَأَفْحَشَ الْأَعْمَالِ ثُمَّ إِنَّهُ يَذْكُرُهُ بِالْمَدْحِ الْعَظِيمِ وَالثَّنَاءِ الْبَالِغِ عَقِيبَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْتَنْكَرُ جِدًّا فَكَذَا هاهنا والله أَعْلَمُ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مَتَى صَدَرَتْ مِنْهُمْ زَلَّةٌ، أَوْ هَفْوَةٌ اسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ وَأَتْبَعُوهَا بِإِظْهَارِ النَّدَامَةِ وَالتَّوْبَةِ وَالتَّوَاضُعِ، وَلَوْ كان يوسف عليه السلام أقدم هاهنا عَلَى هَذِهِ الْكَبِيرَةِ الْمُنْكَرَةِ لَكَانَ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ لَا يُتْبِعَهَا بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَلَوْ أَتَى بِالتَّوْبَةِ لَحَكَى الله تَعَالَى عَنْهُ إِتْيَانَهُ بِهَا كَمَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ وَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَا صَدَرَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ ذَنْبٌ وَلَا مَعْصِيَةٌ. الرَّابِعُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِتِلْكَ الْوَاقِعَةِ فَقَدْ شَهِدَ بِبَرَاءَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِينَ لَهُمْ تَعَلُّقٌ بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَتِلْكَ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا، وَالنِّسْوَةُ وَالشُّهُودُ وَرَبُّ الْعَالَمِينَ شَهِدَ بِبَرَاءَتِهِ عَنِ الذَّنْبِ، وَإِبْلِيسُ أَقَرَّ بِبَرَاءَتِهِ أَيْضًا عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ لَمْ يَبْقَ لِلْمُسْلِمِ تَوَقَّفٌ فِي هَذَا الْبَابِ. أَمَّا بَيَانُ أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ادَّعَى الْبَرَاءَةَ عَنِ الذَّنْبِ فَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي [يوسف: ٢٦] وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يُوسُفَ: ٣٣] وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ الْمَرْأَةَ اعْتَرَفَتْ بِذَلِكَ فَلِأَنَّهَا قَالَتْ لِلنِّسْوَةِ: وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ [يُوسُفَ: ٣٢] وَأَيْضًا قَالَتْ: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يُوسُفَ: ٥١] وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ أَقَرَّ بِذَلِكَ، فَهُوَ قَوْلُهُ: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ
[يُوسُفَ: ٢٨، ٢٩] وَأَمَّا الشُّهُودُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ [يُوسُفَ: ٢٦] وَأَمَّا شَهَادَةُ الله تَعَالَى بِذَلِكَ فَقَوْلُهُ: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: ٢٤] فَقَدْ شَهِدَ الله تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى طَهَارَتِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَوَّلُهَا: قَوْلُهُ: لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَاللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ. وَالثَّانِي: قَوْلُهُ: وَالْفَحْشاءَ أَيْ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ. وَالثَّالِثُ: قَوْلُهُ: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلامًا [الْفُرْقَانِ: ٦٣] وَالرَّابِعُ: قَوْلُهُ: الْمُخْلَصِينَ وَفِيهِ قِرَاءَتَانِ: تَارَةً بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَأُخْرَى بِاسْمِ/ الْمَفْعُولِ فَوُرُودُهُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ آتِيًا بِالطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ مَعَ صِفَةِ الْإِخْلَاصِ. وَوُرُودُهُ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الله تَعَالَى اسْتَخْلَصَهُ لِنَفْسِهِ وَاصْطَفَاهُ لِحَضْرَتِهِ، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ فَإِنَّهُ مِنْ أَدَلِّ الْأَلْفَاظِ عَلَى كَوْنِهِ مُنَزَّهًا عَمَّا أَضَافُوهُ إِلَيْهِ، وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ إِبْلِيسَ أَقَرَّ بِطَهَارَتِهِ، فَلِأَنَّهُ قَالَ: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص: ٨٢، ٨٣] فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إِغْوَاءَ الْمُخْلَصِينَ وَيُوسُفُ مِنَ الْمُخْلَصِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ فَكَانَ هَذَا إِقْرَارًا مِنْ إِبْلِيسَ بِأَنَّهُ مَا أَغْوَاهُ وَمَا أَضَلَّهُ عَنْ طَرِيقَةِ الْهُدَى، وَعِنْدَ هَذَا نَقُولُ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ الَّذِينَ
(٢) قال الإمام فخر الدين الرازي ما نصه:
اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنَ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي يَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِالْبَحْثِ عَنْهَا وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَلْ صَدَرَ عَنْهُ ذَنْبٌ أَمْ لَا؟ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَمَّ بِالْفَاحِشَةِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي كِتَابِ «الْبَسِيطِ» قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الْمَوْثُوقُ بِعِلْمِهِمُ الْمَرْجُوعُ إِلَى رِوَايَتِهِمْ هَمَّ يُوسُفُ أَيْضًا بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ هَمًّا صَحِيحًا وَجَلَسَ مِنْهَا مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِنَ الْمَرْأَةِ، فَلَمَّا رَأَى الْبُرْهَانَ مِنْ رَبِّهِ زَالَتْ كُلُّ شَهْوَةٍ عَنْهُ.
قَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ رَضِيَ الله عَنْهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: طَمِعَتْ فِيهِ وَطَمِعَ فِيهَا فَكَانَ طَمَعُهُ فِيهَا أَنَّهُ هَمَّ أَنْ يَحِلَّ التِّكَّةَ،
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ:
حَلَّ الْهِمْيَانَ وَجَلَسَ مِنْهَا مَجْلِسَ الْخَائِنِ وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهَا اسْتَلْقَتْ لَهُ وَجَلَسَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا يَنْزِعُ ثِيَابَهُ، ثُمَّ إِنَّ الْوَاحِدِيَّ طَوَّلَ فِي كَلِمَاتٍ عَدِيمَةِ الْفَائِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمَا ذَكَرَ آيَةً يَحْتَجُّ بِهَا وَلَا حَدِيثًا صَحِيحًا يُعَوِّلُ عَلَيْهِ فِي تَصْحِيحِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَمَا أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي تِلْكَ الْكَلِمَاتِ الْعَارِيَةِ عَنِ الْفَائِدَةِ
رُوِيَ أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا قَالَ: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [يُوسُفَ: ٥٢] قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَا حِينَ هَمَمْتَ يَا يُوسُفُ فَقَالَ يُوسُفُ عِنْدَ ذَلِكَ: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي [يُوسُفَ: ٥٣]
ثُمَّ قَالَ وَالَّذِينَ أَثْبَتُوا هَذَا الْعَمَلَ لِيُوسُفَ كَانُوا أَعْرَفَ بِحُقُوقِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَارْتِفَاعِ مَنَازِلِهِمْ عِنْدَ الله تَعَالَى مِنَ الَّذِينَ نَفَوُا الْهَمَّ عَنْهُ، فَهَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِهِ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ بَرِيئًا عَنِ الْعَمَلِ الْبَاطِلِ، وَالْهَمِّ الْمُحَرَّمِ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ، وَبِهِ نَقُولُ وَعَنْهُ نَذُبُّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى وُجُوبِ عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كَثِيرَةٌ، وَلَقَدِ اسْتَقْصَيْنَاهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قِصَّةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَا نُعِيدُهَا إِلَّا أَنَّا نَزِيدُ هاهنا وُجُوهًا:
فَالْحُجَّةُ الْأُولَى: أَنَّ الزِّنَا مِنْ مُنْكَرَاتِ الْكَبَائِرِ وَالْخِيَانَةَ فِي مَعْرِضِ الْأَمَانَةِ أَيْضًا مِنْ مُنْكَرَاتِ الذُّنُوبِ، وَأَيْضًا مُقَابَلَةُ الْإِحْسَانِ الْعَظِيمِ بِالْإِسَاءَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْفَضِيحَةِ التَّامَّةِ وَالْعَارِ الشَّدِيدِ أَيْضًا مِنْ مُنْكَرَاتِ الذُّنُوبِ، وَأَيْضًا الصَّبِيُّ إِذَا تَرَبَّى فِي حجر إنسان وبقي مكفي المؤنة مصون الغرض مِنْ أَوَّلِ صِبَاهُ إِلَى زَمَانِ شَبَابِهِ وَكَمَالِ قُوَّتِهِ فَإِقْدَامُ هَذَا الصَّبِيِّ عَلَى إِيصَالِ أَقْبَحِ أَنْوَاعِ الْإِسَاءَةِ إِلَى ذَلِكَ الْمُنْعِمِ الْمُعَظَّمِ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَعْمَالِ.
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَعْصِيَةَ الَّتِي نَسَبُوهَا إِلَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَتْ مَوْصُوفَةً بِجَمِيعِ هَذِهِ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ لَوْ نُسِبَتْ إِلَى أَفْسَقِ خَلْقِ الله تَعَالَى وَأَبْعَدِهِمْ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ لَاسْتُنْكِفَ مِنْهُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ إِسْنَادُهَا إِلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ! الْمُؤَيَّدُ بِالْمُعْجِزَاتِ الْقَاهِرَةِ الْبَاهِرَةِ. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الواقعة: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ [يوسف: ٢٤] وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَاهِيَّةَ السُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ مَصْرُوفَةٌ عَنْهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ الَّتِي نسبوها إليه أعظم أنواع/ وَأَفْحَشُ أَقْسَامِ الْفَحْشَاءِ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَشْهَدَ فِي عَيْنِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ بِكَوْنِهِ بَرِيئًا مِنَ السُّوءِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَى بِأَعْظَمِ أَنْوَاعِ السُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ. وَأَيْضًا فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى قَوْلِنَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ هَبْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ عَنْهُ، إِلَّا أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهَا تُفِيدُ الْمَدْحَ الْعَظِيمَ وَالثَّنَاءَ الْبَالِغَ، فَلَا يَلِيقُ بِحِكْمَةِ الله تَعَالَى أَنْ يَحْكِيَ عَنْ إِنْسَانٍ إِقْدَامَهُ عَلَى مَعْصِيَةٍ عَظِيمَةٍ ثُمَّ إِنَّهُ يَمْدَحُهُ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِأَعْظَمِ الْمَدَائِحِ وَالْأَثْنِيَةِ عَقِيبَ أَنْ حَكَى عَنْهُ ذَلِكَ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ، فَإِنَّ مِثَالَهُ مَا إِذَا حَكَى السُّلْطَانُ عَنْ بَعْضِ عَبِيدِهِ أَقْبَحَ الذُّنُوبِ وَأَفْحَشَ الْأَعْمَالِ ثُمَّ إِنَّهُ يَذْكُرُهُ بِالْمَدْحِ الْعَظِيمِ وَالثَّنَاءِ الْبَالِغِ عَقِيبَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْتَنْكَرُ جِدًّا فَكَذَا هاهنا والله أَعْلَمُ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مَتَى صَدَرَتْ مِنْهُمْ زَلَّةٌ، أَوْ هَفْوَةٌ اسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ وَأَتْبَعُوهَا بِإِظْهَارِ النَّدَامَةِ وَالتَّوْبَةِ وَالتَّوَاضُعِ، وَلَوْ كان يوسف عليه السلام أقدم هاهنا عَلَى هَذِهِ الْكَبِيرَةِ الْمُنْكَرَةِ لَكَانَ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ لَا يُتْبِعَهَا بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَلَوْ أَتَى بِالتَّوْبَةِ لَحَكَى الله تَعَالَى عَنْهُ إِتْيَانَهُ بِهَا كَمَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ وَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَا صَدَرَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ ذَنْبٌ وَلَا مَعْصِيَةٌ. الرَّابِعُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِتِلْكَ الْوَاقِعَةِ فَقَدْ شَهِدَ بِبَرَاءَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِينَ لَهُمْ تَعَلُّقٌ بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَتِلْكَ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا، وَالنِّسْوَةُ وَالشُّهُودُ وَرَبُّ الْعَالَمِينَ شَهِدَ بِبَرَاءَتِهِ عَنِ الذَّنْبِ، وَإِبْلِيسُ أَقَرَّ بِبَرَاءَتِهِ أَيْضًا عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ لَمْ يَبْقَ لِلْمُسْلِمِ تَوَقَّفٌ فِي هَذَا الْبَابِ. أَمَّا بَيَانُ أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ادَّعَى الْبَرَاءَةَ عَنِ الذَّنْبِ فَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي [يوسف: ٢٦] وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يُوسُفَ: ٣٣] وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ الْمَرْأَةَ اعْتَرَفَتْ بِذَلِكَ فَلِأَنَّهَا قَالَتْ لِلنِّسْوَةِ: وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ [يُوسُفَ: ٣٢] وَأَيْضًا قَالَتْ: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يُوسُفَ: ٥١] وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ أَقَرَّ بِذَلِكَ، فَهُوَ قَوْلُهُ: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ
[يُوسُفَ: ٢٨، ٢٩] وَأَمَّا الشُّهُودُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ [يُوسُفَ: ٢٦] وَأَمَّا شَهَادَةُ الله تَعَالَى بِذَلِكَ فَقَوْلُهُ: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: ٢٤] فَقَدْ شَهِدَ الله تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى طَهَارَتِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَوَّلُهَا: قَوْلُهُ: لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَاللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ. وَالثَّانِي: قَوْلُهُ: وَالْفَحْشاءَ أَيْ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ. وَالثَّالِثُ: قَوْلُهُ: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلامًا [الْفُرْقَانِ: ٦٣] وَالرَّابِعُ: قَوْلُهُ: الْمُخْلَصِينَ وَفِيهِ قِرَاءَتَانِ: تَارَةً بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَأُخْرَى بِاسْمِ/ الْمَفْعُولِ فَوُرُودُهُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ آتِيًا بِالطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ مَعَ صِفَةِ الْإِخْلَاصِ. وَوُرُودُهُ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الله تَعَالَى اسْتَخْلَصَهُ لِنَفْسِهِ وَاصْطَفَاهُ لِحَضْرَتِهِ، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ فَإِنَّهُ مِنْ أَدَلِّ الْأَلْفَاظِ عَلَى كَوْنِهِ مُنَزَّهًا عَمَّا أَضَافُوهُ إِلَيْهِ، وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ إِبْلِيسَ أَقَرَّ بِطَهَارَتِهِ، فَلِأَنَّهُ قَالَ: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص: ٨٢، ٨٣] فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إِغْوَاءَ الْمُخْلَصِينَ وَيُوسُفُ مِنَ الْمُخْلَصِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ فَكَانَ هَذَا إِقْرَارًا مِنْ إِبْلِيسَ بِأَنَّهُ مَا أَغْوَاهُ وَمَا أَضَلَّهُ عَنْ طَرِيقَةِ الْهُدَى، وَعِنْدَ هَذَا نَقُولُ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ الَّذِينَ