طالب قائلين: اقض بيننا وبين ابن أخيك بأن يرفض ذكر آلهتنا ونذره وإلهه، فأجاب - عليه من الله أشرف صلاة وألطف سلام - بعد ما جاء وأخبره عمه عنهم: (يا عم أفلا أدعوهم إلى كلمة واحدة يدين لهم بها العرب، ويملكون بها العجم) فقال -من بين القوم- أبو جهل: ما هي لنعطينكها وعشر أمثالها، فقال: (قولوا لا إله إلا الله) فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم، وذلك قوله تعالى: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ): الأشراف (مِنْهُمْ) من القوم عن محضر أبى طالب قائلين بعضهم لبعض: (أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا): اثبتوا (عَلَى آلِهَتِكُمْ): على عبادتها وأن مفسرة؛ لأن إطلاقهم يدل على القول فإن المنطلقين عن مجالس التقاول يتكلمون حال الانطلاق في ذلك الأمر الذي كان فيه تقاولهم بحسب جري العادة (إِنَّ هَذا لَشَيْء يُرَادُ) أي: هذا الذي يدعوننا إليه لشيء يريده محمد ويتمناه لكن لا يصل إليه، أو لشيء من ريب الزمان بنا فلا مرد له (ما سَمِعْنَا بِهَذا): الذي يقوله (في الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ): في ملة قريش التي أدركنا عليها آباءنا أو ملة عيسى، فإن ملة عيسى عند قريش آخر الملل وهم مثلثة، وقيل: في الملة حال من اسم الإشارة، كأنه قال: ما سمعنا أحدًا من أهل الملل، ولا الكهان يقول بالتوحيد كائنًا في الملة المترقبة (إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ): كذب اختلقه (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا) وليس له علينا مزيد شرف، فكيف يختص بهذا الشرف؟! (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي): من القرآن في أنه حق أو باطل، وأما قولهم إن هذا إلا اختلاق، وهذا ساحر كذاب، وأمثاله، فلا يتفوهون به إلا عنادًا من غير اعتقاد في صميم قلوبهم (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ): لم يذوقوا عذابي، فإذا ذاقوه زال عنهم الشك من العناد والحسد وحين