(يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ): المتدثر، أي: لابس الدثار، الأصح بل الصحيح أنه أول سورة نزلت بعد فترة الوحي جمعًا بين الأحاديث الصحاح، وعليه الجمهور، فإن أول ما نزلت (اقرأ باسم ربك) [العلق: ١] وفي صحيح مسلم " إنه - عليه السلام - يحدث عن فترة الوحي قال: فبينما أنا أمشي سمعت صوتًا من السماء، فإذا الملك الذي جاءني بحراء، فخفت منه، فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني، فأنزل الله " يا أيها المدثر قم فأنذر " وفي الطبراني " تأذى من قريش فتغطى بثوبه محزونًا، فنزلت " (قُمْ): من مضجعك، أو قم قيام جد، (فَأَنذِرْ)، ترك المفعول للتعميم، (وَربَّكَ فَكَبِّرْ): خصص ربك بالتكبير، والتعظيم، والفاء في مثله بمعنى الشرط، كأنه قال: ما يكن من شيء فكبر أنت ربَّك، (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ): لا تكن عاصيًا غارًا، والعرب تقول للفاجر: دنس الثياب، وإذا وفي، وأصلح، مطهر الثياب، أو طهر نفسك من الأخلاق الذميمة، أو طهر ثوبك من النجاسات، فإن المشركين لا يطهرون، أو أعرض عما قالوا، ولا تلتفت إليهم، (وَالرُّجْزَ): الأصنام، (فَاهْجُرْ)، أو اترك ما يؤدي إلى العذاب، (وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) أي: لا تعط طالبًا لكثير نهى أن يهب شيئًا طامعًا في عوض أكثر، وهذا خاصة له عليه السلام، أو نهي تنزيه، أو لا تمنن بنبوتك على الناس طالبًا لكثرة الأجر منهم، أو لا تضعف عن الطاعة طالبًا لكثرة الخير، (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) استعمل الصبر لله، فيشمل الصبر على الأذى، وعلى الطاعات، (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ): نفخ في الصور، الفاء للسببية، كأنه قال: اصبر على أذاهم، فبين أيديهم يوم عسير، (فَذَلِكَ)، الفاء للجزاء، (يوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ)، إذا ظرف لما دل عليه الجزاء، لأن معناه عسر الأمر عليهم، وذلك مبتدأ خبره " يوم عسير "، و " يومئذ " إما بدل من ذلك،