فلما كان هذا العام الذي هو ختام القرن رأيت أن أنظر في تبييض هذا الكتاب وتحريره، وتكميل ما بقي منه إلى أخيره، فجمعت الموادَّ، وسلكت الجوادَّ، وحبرته تحبيرا، وبالغت في تهذيبه تقريرا وتحريرا، وسميته " نواهد الأبكار وشوارد الأفكار ".
واعلم أني لخصت فيه مهمات مما في حواشي الكشاف السابق ذكرها ما له تعلّق بعبارة الكتاب، وضممت إلى ذلك نفائس تستجاد وتستطاب، مما لخصته من كتب الأئمة الحافلة (١)، كتذكرة أبي عليّ الفارسي (٢)، والخصائص، والمحتسب،

=السارق الذي أبهمه السيوطي بالعلامة شهاب الدين القسطلاني صاحب المواهب اللدنية بالمنح المحمدية.
قلت: إن السيوطي ذكر في مقامته الفارق بين المصنف والسارق بعض الملامح عن ذلك السالخ، فإذا هي لا تنطبق على شهاب الدين القسطلاني. قال السيوطي: "قال -أي السالخ-: تتبعت وجمعت ووقع لي" شرح مقامات السيوطي ٢/ ٨١٩ وهذه العبارات ليست في المواهب اللدنية بالمنح المحمدية.
وقال أيضا: "وهذا الرجل لست أعرفه في سر ولا جهر، وإنما قيل لي عند السؤال -وأنا بالروضة-: رجل من أهل ما وراء النهر، فما أجدر هذا السارق الأعجم بأن تقطع منه اليمنى، ويؤخذ منه باليمين" شرح مقامات السيوطي ٢/ ٨٢٩.
وشهاب الدين القسطلاني أولاً: ليس مجهولاً عن السيوطي، ب هو معروف لديه، جرت بينهما خصومة عند زكريا الأنصاري.
وثانيا: ليس رجلاً أعجميا من بلاد ما وراء النهر، بل هو مصري المولد والمنشأ من أصول إفريقية، وعليه فليس هذا السارق الذي ألف السيوطي مقامة الفارق بين المصنف والسرق ردا عليه، وذكره في كتابه هذا نواهد الأبكار = شهاب الدين القسطلاني.
دعا السيوطي على هذا السارق فقال: إن كان سارقا سالخا، وناسخا ماسخا، وكاذبا في دعوى اطلاعه على الأصول، ومدعيا ما لا حاصل عنده به، ولا محصول، ومغيرا على تصنيفي، ومنتحلا لتأليفي فلا يأمن أن يحرمه الله نفعه وثوابه، وأن يعدم عليه نفسه وكتابه. شرح مقامات السيوطي ٢/ ٨٢٧.
ولعل دعوة السيوطي عليه قبلت فيه، فلم يبارك في عمله وتأليفه، ولم ينتشر بين الناس، ولم ينتفع به.
(١) في د، ق: الكافلة.
(٢) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار أبو علي النحوي الفارسي، صنف كتبا عجيبة لم يسبق إلى مثلها واشتهر ذكره في الآفاق، له كتاب التذكرة في العربية عشرون مجلدا، توفي سنة سبع وسبعين وثلاثمائة. إنباه الرواة على أنباه النحاة ١/ ٢٧٣ ومعجم الأدباء ٢/ ٨١١ وفهرست ابن خير الإشبيلي ٣١٨. والتذكرة مفقودة.


الصفحة التالية
Icon