قلت: وبسبب ذلك عدل المصنّف إلى عبارة أوضح، لكن صاحب الكشاف آثر العبارة الأولى؛ لأنها وردت في صحاح الجوهري كما أشار إليه الشريف، بل هي مأثورة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كما أخرجه ابن جرير في تفسيره بسند حسن عنه قال: " السبع المثاني فاتحة الكتاب تثنى في كل ركعة (١) "
وعادة الأئمة المصنفين اتباع اللفظ الوارد في الحديث والأثر تبركا به، وليحتمل من التأويل ما احتمله.
قوله: (أو الإنزال) تعليل ثان لتسميتها بالمثاني على تقدير أو ثنيت في الإنزال، إذ لا يصح العطف على تقدير الفعل الأوّل كما لا يخفى، وإنما دعاه إلى ذلك إرادة الإيجاز وسهله (٢) وضوح المراد.
قوله: (إن صحت أنها نزلت بمكة حين فرضت الصلاة، وبالمدينة حين حولت القبلة) أشار بهذا التشكيك إلى أنه لم يثبت في ذلك حديث ولا أثر، وإنما هو شيء قاله بعض العلماء اجتهادا، والوارد (٣) أنها نزلت بمكة أول بدء الوحي.
كذا أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنّف "، وأبو نعيم (٤)، والبيهقي كلاهما في " دلائل النبوة (٥) " من مرسل أبي ميسرة (٦).
وقد علل كونها مثاني أيضاً بأنها مشتملة على الثناء على الله تعالى، وبأن الله تعالى استثناها لهذه الأمة، فلم ينزلها على غيرها.

(١) لم أر هذا اللفظ في جامع البيان عن عمر، ولكن رأيت فيه: ما لهم رغبة عن فاتحة الكتاب، وما يبتغي بعد المثاني ١٤/ ٥٤.
(٢) في ح: وسهولة.
(٣) في ظ: إذ الوارد.
(٤) هو أحمد بن عبد الله بن أحمد أبو نعيم الأصبهاني، كان في وقته مرحولا إليه، ولم يكن في أفق من الآفاق أسند ولا أحف منه، توفي سنة ثلاثين وأربعمائة. سير أعلام النبلاء ١٧/ ٤٥٣ وطبقات الشافعية الكبرى ٤/ ١٨.
(٥) رواه ابن أبي شيبة في المصنف ١٤/ ٢٩٢ والبيهقي في دلائل النبوة ٢/ ١٥٨ قال البيهقي: هذا منقطع، فإن كان محفوظا فيحتمل أن يكون خبرا عن نزولها بعد ما نزلت عليه "اقرأ باسم ربك" و"يا أيها المدثر". وقال ابن كثير في البداية والنهاية ٤/ ٢٤: هو مرسل، وفيه غرابة، وهو كون الفاتحة أول ما نزل.
(٦) هو عمرو بن شرحبيل أبو ميسرة الهمداني، قال أبو وائل: ما اشتملت همدانية على مثل أبي ميسرة، توفي في ولاية عبيد الله بن زياد. سير أعلام النبلاء ٤/ ١٣٥ وتهذيب الكمال ٢٢/ ٦٠.


الصفحة التالية
Icon