فإن فعل: روايتها ليست رواية لفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بل هي ظن منها، إذ قالت: عدَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آية منها، فلعلّها غلطت في ظنها.
فالجواب إذا جزم الراوي الثقة العاقل في أمر محسوس لا يجوز حمله على الغلط، وإلا لجاز في أصل الرواية، وهو محال (١).
قوله: (ومن أجلهما اختلف في أنها آية برأسها، أو بما بعدها)
أي ومن أجل الحديثين، فإن الأول يقتضي عدها آية مستقلة، والثاني يقتضي أنها مع ما بعدها آية.
وهذا منه بناء على اللفظ الذي أورده، وقد عرفت أن الأمر بخلافه.
قوله: (والإجماع على أن ما بين الدفتين كلام الله تعالى، والوفاق على إثباتها في المصاحف، مع المبالغة في تجريد القرآن حتى لم يكتب " آمين ")
ذكر البيهقي والغزالي وغيرهما أن هذا أقوى ما يستدلّ به في المسألة.
قال البيهقي في " الخلافيات ": الأصل عندنا إجماع الصحابة، فإنهم أجمعوا على أن مصحف عثمان رضي الله عنه، وسائر المصاحف كتاب الله ووحيه وتنزيله، من غير تقييد فيه ولا استثناء، وكذلك الناقلون عنهم بعدهم لم يختلفوا فيما اتفقوا عليه، ووجدناه مكتوبا في تلك المصاحف كسائر القرآن (٢).
وقال في " المعرفة ": أحسن ما يحتج به في أن البسملة من القرآن، وأنها في فواتح السور منها سوى براءة = ما روينا من جمع الصحابة كتاب الله في مصاحف، وأنهم كتبوا فيها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ على رأس كل سورة، سوى سورة براءة، من غير استثناء ولا تقييد ولا إدخال شيء آخر فيها، وهم يقصدون بذلك نفي الخلاف عن القراءة، فكيف يُتوهم عليهم أنهم كتبوا فيها مائة وثلاث عشرة آية ليست من القرآن (٣).
وقال الغزالي: أظهر الأدلّة كونه مكتوبا بخط القرآن مع أوائل السور سوى سورة براءة.

(١) كتاب البسملة ل١٣.
(٢) الخلافيات ل٣٩ نسخة مصورة بمكتبة الجامعة الإسلامية برقم ٣٤٥٦.
(٣) معرفة السنن والآثار ٢/ ٣٦٤.


الصفحة التالية
Icon