فيه ببسم الله فهو أبتر " (١) وإرادةُ الفصل بين السور.
قلنا: فهلا كتب أعوذ بالله من الشيطان الرجيم في أول القرآن لقوله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) وهذا للقرآن خاصة، وذلك أمر عام لا يختص بالقرآن؟.
فإن قلت: إنما أمر بالاستعاذة عند القراءة، لا عند الكتبة.
فنقول: وإنما أمر في بداءة الأمور بذكر اسم الله تعالى، لا بكتبه.
ثم من أين تقاوم هذه الفائدة ضرر الاشتباه، وجراءة الزيادة في كتاب الله تعالى، وإثبات ما ليس منه فيه.
وأما غرض الفصل فظاهر البطلان؛ إذ كان يمكن بإهمال خط كما في سورة براءة، أو بأن يكتب بالحمرة " سورة أخرى " وعدد آياتها كذلك حتى لا يلتبس، وكيف يعدل عنه إلى ما يلتبس بالقرآن (٢)؟
فهذه الاحتمالات كلها فاسدة، ثم هو باطل بسورة براءة، وإثباتُها في جميع السور دون براءة على الخصوص كالقاطع بأن مأخذه التوقيف فقط.
وعلى الجملة فيعلم أن كتبة ما ليس بقرآن ويشتبه بالقرآن وبخطه من الكبائر، فلا يتصور أن يتجاسر عليه مسلم، وإن تجاسر عليه فلا يتصور أن يسكت عنه المسلمون فضلا عن أن يوافقوه بأجمعهم حتى لا يخالف مخالف.
فإن قلت: سلمنا أنه ليس مبدعا، بل هو مكتوب بالتوقيف، ولذلك لم يكتب في سورة براءة؛ لأنه لم يرد به التوقيف، ولكن هذا يدل على جواز كتبه، لا على كونه قرآنا، وليس يستحيل أن يأمر الرسول صلى الله عليه وسلّم بكتبة ما ليس بقرآن. وهذا السؤال ذكره القاضي (٣).
فالجواب: أن هذا إبعاد في التأويل تستبعده النفوس وتشمئز عن قبوله الطباع.
وعلى الجملة فلا نقول: الإذن في كتبة ما ليس بقرآن مع القرآن محال في نفسه، ولكنا نقول: هو محال إلا أن يكون مقرونا بذكر أنه ليس بقرآن ذكرا صريحا متواترا حتى ينتفي به الوهم السابق إلى الأذهان.

(١)
سيأتي تخريجه.
(٢) في د: إلى ما ليس في القرآن ويشتبه بالقرآن.
(٣) هو أبو بكر الباقلاني، انظر في: الانتصار للقرآن ١/ ٢٥٧.


الصفحة التالية
Icon