وثبت بما ذكر أن جميع ما في المصحف قرآن منزل، ويؤكد (١) ذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما لما سئل هل ترك رسول الله صلى الله عليه وسلّم شيئا؟ قال: لا، إلا ما في هذا المصحف، وقال محمد بن عليّ ابن الحنفية (٢) لما سئل عن ذلك أيضاً: لا، إلا ما في هذين اللوحين (٣).
فهذا نفي وإثبات، فيقتضي أن جميع ما في المصحف يجري مجرى واحدا، وأن جميعه قرآن منزل، وأن ما ليس في المصحف مخالف له.
وقد روى أبو طاهر ابن أبي هاشم في كتاب " الفصل (٤) " بإسناده عن القاسم (٥)، عن عائشة أنها قالت: " اقرؤوا ما في المصحف (٦) "
وظاهر ذلك تسويتها بين جميع ما في المصحف، والحكم بأنه كله قرآن منزل.
هذا مع أن الرجوع إلى المصحف والائتمام به إجماع، فإن المسلمين من لدن الصحابة إلى زماننا هذا يرجعون فيما ينوبهم مما يتعلّق بالقرآن إليه، ويستدلون به، فيقال للذي يخالف في إثبات الكلمة: هي مكتوبة في المصحف.
ويؤيد ذلك أيضاً أنهم لما اختلفوا في كتابة " التابوت " قالت الأنصار: بالهاء، وقال سعيد بن العاصي (٧): بالتاء لم يكتبوه حتى قيل لهم: إنه أنزل بلغة قريش،

(١)
في ت، ح: ويؤيد.
(٢) هو محمد بن علي بن أبي طالب أبو القاسم القرشي الهاشمي المدني، أمه خولة بنت جعفر الحنفية، كان ورعا كثير العلم، توفي سنة ثمانين، سير أعلام النبلاء ٤/ ١١٠ والبداية والنهاية ١٢/ ٣١٣.
(٣) روى البخاري ٤/ ١٩١٧ ح٤٧٣١ أثر ابن عباس، وابن الحنفية بنحوه.
(٤) هو كتاب الفصل بين أبي عمرو والكسائي. انظر في: غاية النهاية في طبقات القراء ١/ ٤٧٥ وهدية العارفين ٣/ ٦٣٣.
(٥) هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أبو محمد القرشي التيمي، كان أفضل أهل زمانه، وكان من أعلم الناس بحديث عائشة، روي عن عمته عائشة، توفي سنة ست ومائة. تهذيب الكمال ٢٣/ ٤٢٧ وسير أعلام النبلاء ٥/ ٥٣.
(٦) لم أقف عليه.
(٧) هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية أبو عثمان الأموي، كان أحد أشراف قريش حمل السخاء والفصاحة، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان، توفي خلافة معاوية سنة تسع وخمسين. الاستيعاب ٢/ ٦٢١ والإصابة ٣/ ١٠٧.


الصفحة التالية
Icon