فداء أسرى بدر فوجدته يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) [سورة الطور ٣٥] كاد قلبي يطير (١) وأدركه الإسلام.
ومرّ أعرابي على قارئ يقرأ (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ) [سورة الحجر ٩٤] فسجد وقال: سجدت لفصاحة هذا الكلام (٢).
فكانوا يعرفون بالطبع وجوه بلاغته كما كانوا يعرفون وجوه إعرابه، ولم يحتاجوا إلى بيان النوعين في ذلك العصر؛ لأنه لم يكن يجهلهما أحد من أصحابه (٣)، فلما ذهب أرباب (٤) السليقة والتبس الإعراب باللحن، والمجاز بالحقيقة وضع لكل من الإعراب والبلاغة قواعد يدرك بها ما أدركه الأولون بالطبع وتُساعد، فكان حكم علم (٥) المعاني والبيان كحكم علم النحو والإعراب، وكانت الحاجة إليهما داعية لإدراك وجه الإعجاز والإعراب.
ولما كان كتاب الكشاف هو الكافل في هذا الفنّ بالبيان الشاف اشتهر في الآفاق اشتهار الشمس، وجهر به في محافل المجالس (٦) بين الفضلاء من غير همس، واعتنى الأئمة والمحققون بالكتابة عليه، وتسارع العلماء والفضلاء في المناقشة والمنافسة إليه:
فمن مميز لاعتزال (٧) حاد فيه عن صوب الصواب، ومن مناقش له فيما أتى به من وجوه الإعراب، ومن محش وضّح ونقح، وتمم ويمم، وفسر وقرّر، وحبّر وحرّر، وجال وجاب، واستشكل وأجاب.
ومن مخرّج لأحاديثه عزا وأسند، وصحح وانتقد.
ومن مختصر لخص وأوجز، وكمّل ما أعوز.
فممن كتب عليه الإمام ناصر الدين أحمد بن محمد ابن المُنَيِّر الإسكندري

(١) رواه البخاري في ٤/ ١٨٣٩ ح٤٥٧٣، ومسلم ١/ ٣٣٨ ح ٤٦٣.
(٢) قال عبد الله الثعالبي: ثلاث كلمات اشتملت على شرائط الرسالة، وشرائعها، وأحكامها، وحلالها، وحرامها، الإعجاز والإيجاز ٢٣.
(٣) في د، ق الصحابة.
(٤) في د: أصحاب.
(٥) في: علمي.
(٦) في ح: الفضلاء.
(٧) في ظ: للاعتزال.


الصفحة التالية
Icon