الثالث: أن الباء إذا حملت على المصاحبة والمعية كانت أدلّ على ملابسة جميع أجزاء الفعل لاسم الله تعالى منها إذا حملت على الآلة.
الرابع: أن التبرك باسم الله تعالى معنى مكشوف يفهمه كل أحد ممن يبتدئ في أموره، والتأويل المذكور في كونه آلة لا يهتدى إليه إلا بنظر دقيق.
الخامس: أن كون اسم الله آلة للفعل ليس إلا باعتبار أنه يتوسل إليه ببركته، فقد رجع بالآخرة إلى التبرك، وليس في اعتباره زيادة معنى يعتد به.
وقد يقال: جعله آلة يشعر بأن له زيادة مدخل في الفعل، ويشتمل على جعل الموجود - لفوات كماله - بمنزلة المعدوم، ومثله يعد من محسنات الكلام (١).
وقال شيخنا العلامة محيي الدين الكافيجي: معنى الباء هاهنا المصاحبة والملابسة كما في قوله (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ)
ويجوز أن تكون للاستعانة كالباء في كتبت بالقلم، فالأوّل يناسب الدراية، والثاني يناسب الرواية، لكن الأوّل لما كان أظهر رجح على الثاني (٢).
وقال البلقيني في " الكشاف ": قول " الكشاف " في المعنى الأوّل: " جعله مفعولا بسم الله كما يفعل الكتب بالقلم " يقال عليه: القراءة حاصلة وإن لم يسم، وأما الكتابة فلا تحصل إلا بالقلم فأين التسوية.
قال: وقد استؤنس للمعية والمصاحبة بقوله صلى الله عليه وسلّم: " بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم (٣) "
وفيه نظر، إذ المراد الخبر عن أنه لا يضرّ مع ذكر اسم الله شيء مخلوق.
ويقال - على هذا الوجه -: المصاحبة تستدعي أمرا حاصلا عندها، نحو جاءكم الرسول بالحق، أي مع الحق، والقراءة لم تحصل حينئذ فتعذرت حقيقهّ المصاحبة فيما نحن فيه.
قال: فإن قيل: فإذا كان كل من الوجهين عندك مخدوشا فهل من ثالث؟
(٢) شرح قواعد الإعراب ٣٢.
(٣) رواه أبو داود الطيالسي في المسند ١/ ٧٧ وابن أبي شيبة في المصنف ١٠/ ٢٤٤ وأحمد في المسند ١/ ٤٩٨ وأبو داود ٥/ ٣٩٢ ح٥٠٤٧ والترمذي ٥/ ٣٩٧ ح٣٣٨٨ والنسائي في السنن الكبرى ٩/ ١١ ح٩٧٥٩ وابن ماجة ٤/ ٢٧ ح٣٩٣٨ من حديث عثمان. قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب.