بوصف من أوصافه لتتميم معنى الكلام وتوكيده، لأن من شأن الكتب السماوية أن تكون فارقة بين الحق والباطل، والإيمان والكفر، والحلال والحرام، فينتهي بذلك الوصف غايته، وإليه الإشارة بقوله: تعظيما وإظهارا لفضله ولو صرح أولا باسم القرآن واقترن به الوصف لم يكن كذلك، ولهذا كان الوجه الآخر دون هذا الوجه، قال صاحب الانتصاف: وفيه وجه آخر، وهو أن القرآن العظيم نزل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا جملة واحدة، ومن سماء الدنيا منجما في ثلاث وعشرين سنة، وأما بقية الكتب، فلا يقال فيها: إلا أنزل، وهذا أوجه وأظهر، قال الطيبي: لعله ذهل عن دقة المعنى ومال إلى أن تكرير القرآن لإناطة معنى زايد وهو التنزيل مرة والإنزال أخرى. وذهب عنه إلى أن المقام مقام مدح وتعظيم للكتاب، لا بيان إنزاله وتنزيله. وقال الإمام: الوجوه المذكورة كلها ضعيفة، أما حمل الفرقان على الزبور فبعيد لأن المراد من القرآن ما يفرق بين الحق والباطل، وبين الحلال والحرام، وليس في الزبور إلا الوعظ فقط وأما حمله على القرآن فبعيد أيضا، لما يلزم من العطف من المغايرة. ولا مغايرة حينئذ. وأما حمله على الكتب فبعيد أيضا لما يلزم منه من عطف الصفة على الموصوف والمختار عندي: أن المراد بالفرقان المعجزات التي قرنها الله بإنزال هذه الكتب، أن أنزل الكتب وأنزل معها ما يفرق بينها وبين سائر الكتب المختلفة قال الطيبي: وهذا الذي ذكره الإمام هو على مقتضى الظاهر، وعلماء هذا الفن يهجرون سلوك هذا الطريق. وإذا سنح لهم ما يخالف الظاهر لا يلتفتون إلى الظاهر ويعدونه من باب النعيق وأما قوله: (ليس في الزبور إلا الموعظة): فجوابه إن الموعظة أيضا فارقة من حيث إنها زاجرة عن ارتكاب المناهي داعية إلى الإتيان بالأوامر صارفة عن الركون إلى الدنيا هادية إلى النزوع إلى العقبى وقربة تزلف إلى رضى الله عما يوجب سخطه سبحانه قوله: (لا يقدر على مثله منتقم) قال


الصفحة التالية
Icon