خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور للمكلفين ليعرفوه ويوحدوه ويعبدوه فحصل منهم عكس ذلك حيث سووا معه غيره، نحو قوله تعالى (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)، فموقعه الفاء في الظاهر فجيء بـ (ثم) للاستبعاد، ولأنه ليس من وضع المظهر موضع المضمر لأنه ابتداء كلام الكفار، على أنه لو قيل: ثم الكافرون والمشركون كان ظاهراً أيضاً، فإن قلت: الحمد هو النداء على الجميل من نعمة أو غيرها فما معنى هذا الترتيب؟ قلت: معناه بيان فضله وكمال حكمته ورحمته، كأنه قيل: ما أحلمه وما أرحمه لما يصدر منه تلك الفضائل والأنعام ويقابل بذلك الكفر والكفران ولا يصب عليهم العذاب صباً، كما في قوله تعالى (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا). اهـ
قوله: (ومعنى (ثم) استبعاد عدولهم).
قال الشيخ سعد الدين: إنما لم يحمل (ثم) على التراخى مع استقامته لكون الاستبعاد أوفق بالمقام. اهـ
قال الطَّيبي: ذيل كل من الآيتين بكلمة الاستبعاد بحسب ما يقتضيه من المعنى، أما هذه الآية فلما تضمنت دلائل الآفاق من الأجرام والأعراض ذكر منها أعظمها جِرْماً في النظر وأشملها متناولاً للأعراض ليدخل في الأول سائر الأجسام من الكبير والصغير، وفي الثاني جميع الأعراض الظاهرة والخفية، ولهذا فسره الزجاج: بالليل والنهار، والقاضي: بالضلال والهداية، والدليل على الاستيعاب والجمع في أحد المكررين والإفراد في الآخر لأن في ذكر الأرض والنور مفردين واقترانهما بالجمعين إشعاراً بإرادة الجنسية في الإفراد والاستغراق في الجمع، وفي ذكر الخلق والجعل إشارة إلى استيعاب الإنشائين، ثم إنَّ الله تعالى بعد هذا الكلام الجامع والبيان الكامل نعى على الكفار بقوله عز وجل (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) يعني: انظروا إلى هؤلاء الكفار مع ظهور هذه الأدلة كيف يتركون عبادة خالق الأرض


الصفحة التالية
Icon